الشيخ محمود الحساني مشرف
عدد الرسائل : 6 العمر : 43 السٌّمعَة : 0 نقاط : 14 تاريخ التسجيل : 07/12/2011
| موضوع: العقيدة البرهانية والفصول الإيمانية .. !! الثلاثاء 17 يناير 2012 - 19:29 | |
| تأليف الشيخ أبي عمرو عثمان بن عبد الله بن عيسى القيسي القرشي المالكي الأشعري الشهير بالسلالجي تـ574هـ
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتِمِ النَّبِيِّينَ وَإِمَامِ المُرْسَلِينَ. اعْلَمْ، أَرْشَدَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ، أَنَّ العَالَمَ: عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ سِوَى اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِ ذَاتِهِ. ثُمَّ العَالَمُ عَلَى قِسْمَيْنِ: جَوَاهِرٌ وَأَعْرَاضٌ. فَالجَوْهَرُ: هُوَ المُتَحَيِّزُ. وَالعَرَض: هُوَ المَعْنَى القَائِمُ بِالجَوْهَرِ. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الجَوَاهِرِ: تَنَاهِي الأَجْسَامِ فِي انْقِسَامِهَا إِلَى حَدٍّ يَسْتَحِيلُ انْقِسَامُهُ. فَذَلِكَ هُوَ الجَوْهَرُ؛ لِأَنَّ القِسْمَةَ هِيَ الافْتِرَاقُ، وَالشَّيْءُ الوَاحِدُ لاَ يُفَارِقُ نَفْسَهُ، فَكُلُّ مَا تَأَلَّفَ مَعَهُ فَهُوَ عَلَى حُكْمِهِ. وَبِهِ تَفْضُلُ الأَجْسَامُ بَعْضَهَا بَعْضًا فِي الكِبَرِ وَالصِّغَرِ، كَالذَّرَّةِ وَالفِيلِ؛ لِأَنَّ مَا لاَ يَتَنَاهَى لاَ يَفْضُلُ مَا لاَ يَتَنَاهَى. وَأَيْضًا، فَإِنَّ مَا لاَ يَتَنَاهَى يَسْتَحِيلُ دُخُولُهُ فِي الوُجُودِ. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الأَعْرَاضِ: تَنَاوُبُ الأَحْكَامِ الجَائِزَةِ الطَّارِئَةِ وَتَعَاقُبِهَا عَلَى الجَوَاهِرِ مَحَالِّهَا؛ إِذْ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَهَا لَاسْتَحَالَ تَبَدُّلُهَا عَنْهَا، وَلَتَسَاوَت الجَوَاهِرُ كُلُّهَا فِيهَا، فَاخْتِصَاصُ كُلّ جَوْهَرٍ بِحُكْمٍ يَجُوزُ عَلَى مُمَاثِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَعْنىً يُخَصِّصُهُ بِهِ وَيَتَعَيَّنُ قِيَامُهُ بِهِ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ لَمَا كَانَ بِإِيجَابِ الحُكْمِ لَهُ أَوْلَى مِنْ إِيجَابِهِ لِغَيْرِهِ. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الأَعْرَاضِ: طَرَيَانُهَا عَلَى مَحَالِّهَا. وَانْتِفَاؤُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا دَلِيلٌ عَلَى حُدُوثِهَا؛ إِذْ لَوْ ثَبَتَ قِدَمُهَا لَاسْتَحَالَ عَدَمُهَا. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الجَوَاهِرِ: أَنَّ الجَوَاهِرَ لاَ تَعْرَى عَنِ الاجْتِمَاعِ وَالاِفْتِرَاقِ وَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَالاجْتِمَاعُ وَالافْتِرَاقُ وَالحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ حَوَادِثٌ، وَمَا لاَ يَعْرَى عَنِ الحَوَادِثِ لاَ يَسْبِقُهَا، وَمَا لاَ يَسْبِقُهَا كَانَ حَادِثًا مِثْلَهَا. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الصَّانِعِ: أَنَّ العَالَمَ جَائِزٌ وُجُودُهُ وَجَائِزٌ عَدَمُهُ، فَلَيْسَ وُجُودُهُ بِأَوْلَى مِنْ عَدَمِهِ، وَلاَ عَدَمُهُ بِأَوْلَى مِنْ وُجُودِهِ، فَلَمَّا اخْتُصَّ بِالوُجُودِ الجَائِزِ بَدَلاً عَنِ العَدَمِ المُجَوَّزِ افْتَقَرَ إِلَى مُقْتَضٍٍ، وُهُوَ الفَاعِلُ المُخْتَارُ. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى قِدَمِ الصَّانِعِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَافْتَقَرَ إِلَى مُحْدِثٍ، وَكَذِلَكَ القَوْلُ فِي مُحْدِِثِهِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى التَّسَلْسُلِ، وَالتَّسَلْسُلُ يُؤَدِّي إِلَى نَفْيِنَا، وَنَفْيُنَا مَعَ وُجُودِنَا مُحَالٌ، وَمَا أَفْضَى إِلَى المُحَالِ كَانَ مُحَالاً، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ: وُجُوبُ اتِّصَافِهِ بِأَنَّهُ حَيٌّ، عَالِمٌ، قَادِرٌ، مُرِيدٌ. وَالصِّفَةُ لا تَتَّصِفُ بِالأَحْكَامِ الَّتِي تُوجِبُهَا المَعَانِي، فَلَمَّا وَجَبَ اتِّصَافُهُ تَعَالَى بِهَا حَتْمًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِلْحَوَادِثِ، هُوَ أَنَّ المِثْلَيْنِ: كُلُّ مَوْجُودَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جِمِيعِ صِفَاتِ النَّفْسِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى مُقَدَّسٌ عَنْ جَمِيعِ سِمَاتِ الجَوَاهِرِ وَالأَعْرَاضِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الجَوْهَرَ حَقِيقَتُهُ: المُتَحيِّزُ، وَالمُتَحيِّزُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الاخْتِصَاصُ بِبَعْضِ الجِهَاتِ وَالمُحَاذِيَاتِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ، وَالمَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ الجَوْهَرَ هُوَ القَابِلُ لِلأَعْرَاضِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ، وَالمَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ الجَوْهَرَ يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّأْلِيفُ وَالتَّرْكِيبُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ، وَالمَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ. وَأَمَّا العَرَضُ، فَحَقِيقَتُهُ: مَا يَقُومُ بِالجَوْهَرِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى مَحَلٍّ. وَالرَّبُّ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنِ الافْتِقَارِ عَلَى الإِطْلاَقِ. وَالعَرَضُ لاَ يَبْقَى زَمَنَيْنِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى قَدِيمٌ، وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ. وَالعَرَضُ لاَ يَتَّصِفُ بِالأَحْكَامِ التِّي تُوجِبُهَا المَعَانِي، وَالرَّبُّ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِهَا حَتْمًا. فَتَقَرَّرَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَقَدُّسُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الحَوَادِثِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهَا. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ قَادِرٌ: اسْتِحَالَةُ صُدُورِ الفِعْلِ الرَّصِينِ، المُحْكَمِ المُتْقَنِ المَتِينِ، مِنْ غَيْرِ عَالِمٍ قَادِرٍ. وَثُبُوتُ لَطَائِفِ الصُّنْعِ، وَمَا تَتَّصِفُ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالأَرَضُونَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الانْتِظَامِ وَالإِتْقَانِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ قَادِرٌ. ثُمَّ اخْتِصَاصُ الأَفْعَالِ بِأَوْقَاتِهَا وَخَصَائِصِ صِفَاتِهَا بَدَلاً مِنْ نَقَائِضِهَا الجَائِزَةِ عَلَيْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ. وَثُبُوتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ؛ لاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ المَشْرُوطِ مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ. ثُمَّ الحَيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا أَوْ مُؤَفًّا، وَكَذِلِكَ القَوْلُ فِي الكَلاَمِ وَالإدْرَاكِ؛ إِذْ كُلُّ قَابِلٍ لِنَقِيضَيْنِ لاَ وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَعْرَى عَنْهُمَا، فَلِمَا اسْتَحَالَتِ النَّقَائِصُ عَلَى البَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَطْعًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا مُدْرِكًا. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الصِّفَاتِ الأَزَلِيَّةِ: العِلَّةُ وَالحَقِيقَةُ. فَمَهْمَا ثَبَتَ حُكْمٌ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ وَجَبَ طَرْدُهُ شَاهِدًا وَغَائِبًا، وَلَوْ جَازَ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ لِوُجُوبِهِ لَجَازَ ثُبُوتُ العِلَّةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِهَا لِوُجُوبِهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّاهِدِ أَنَّ كَوْن العَالِمِ عَالِمًا مُعَلَّلٌّ بِالعِلْمِ. وَكَذَلِكَ القَوْلُ فِي الحَقِيقَةِ، فَمَهْمَا تَثْبُتُ حَقِيقَةٌ فِي مُحَقَّقٍ وَجَبَ طَرْدُهَا شَاهِدًا وَغَائِبًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّاهِدِ أَنَّ حَقِيقَةَ العَالِمِ مَنْ قَامَ بِهِ العِلْمُ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ لَمَا كَانَ بإِيجَابِ الحُكْمِ لَهُ أَوْلَى مِنْ إِيجَابِهِ لِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ فِي جُمْلَةِ الصِّفَاتِ. فَثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ البَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيٌّ بِحَيَاةٍ قَدِيمَةٍ، عَالِمٌ بِعِلْمٍ قَدِيمٍ، قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ قَدِيمَةٍ، مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ، سَمِيعٌ بِسَمْعٍ قَدِيمٍ، بَصِيرٌ بِبَصَرٍ قَدِيمٍ، مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ قَدِيمٍ، مُدْرِكٌ بِإِدْرَاكٍ قَدِيمٍ؛ إِذْ المَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا إِلَهَيْنِ، وَقَدَّرْنَا مِنْ أَحَدِهِمَا إِرَادَةَ تَحْرِيكَ جِسْمٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَمِنَ الثَّانِي إِرَادَةَ تَسْكِينَهُ فِي تِلْكَ الحَالَةِ بِعَيْنِهَا، لَمْ يَخْلُ: ـ إِمَّا أَنْ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا جَمِيعًا. ـ أَوْ لاَ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا. ـ أَوْ تَنْفَذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الثَّانِي. مُحَالٌ أَنْ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا؛ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ. وَمُحَالٌ أَنْ لاَ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا؛ لِاسْتِحَالَةِ عُرُوِّ المَحَلِّ عَنِ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ. وَمُحَالٌ أَنْ تَنْفَذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الثَّانِي؛ إِذْ فِي ذَلِكَ تَعْجِيزُ مَنْ لَمْ تَنْفَذْ إِرَادَتُهُ، وَالعَجْزُ يُنَافِي الإِلَهِيَّةَ؛ لِأَنَّ العَجْزَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَرَضًا، وَقِيَامُ الأَعْرَاضِ بِالقَدِيمِ مُحَالٌ، وَمَا أَفْضَى إِلَى المُحَالِ كَانَ مُحَالاً. وَكَذَلِكَ القَوْلُ فِي الاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقُهُمَا مَشْرُوطٌ بِجَوَازِ عَدَمِهِمَا، وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الفِعْلَ يُنَافِي الإثْنَيْنِيَّةَ عَلَى وَصْفِ الإِلَهِيَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (، ) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا ( ، )لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحَالَةِ تَنَاهِي المَقْدُورَاتِ: جَوَازُ وُقُوعِ أَمْثَالِ مَا وَقَعَ، وَالجَائِزُ لاَ يَقَعُ بِنَفْسِهِ، وَفِي قَصْرِ القُدْرَةِ عَلَيْهِ اسْتِحَالَةُ وُقُوعِهِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى جَمْعِ الاسْتِحَالَةِ وَالإِمْكَانِ فِيمَا عُلِمَ فِيهِ الإِمْكَانُ. وَكَذِلِكَ القَوْلُ فِي المَعْلُومَاتِ وَالمُرَادَاتِ وَمُتَعلَّقَاتُ الكَلاَمِ. فَصْلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَجْوِيزِ رُؤْيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: أَنَّ الإِدْرَاكَ شَاهِدًا يَتَعَلَّقُ بِالمُخْتَلِفَاتِ، وَالمُخْتَلِفَاتُ لاَ يُؤُولُ اخْتِلاَفُهَا إِلَى وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا يَؤُولُ اخْتِلاَفُهَا إِلَى أَحْوَالِهَا، وَالإِدْرَاكُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِالأَحْوَالِ؛ إِذْ كُلُّ مَا يُرَى وَيُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ فِي حُكْمِ الإِدْرَاكِ فَهُوَ ذَاتٌ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَالأَحْوَالُ لَيْسَتْ بِذَوَاتٍ، فَإِذَا رِيءَ مَوْجُودٌ لَزِمَ تَجْوِيزُ رُؤْيَةَ كُلّ مَوْجُودٍ. فَصْلٌ وَمِنَ الجَائِزَاتِ: خَلْقُ الأَعْمَالِ. فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى فِعْلٌ، وَلاَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ تَعَالَى ثَوَابٌ. فَالثَّوَابُ مِنْهُ فَضْلٌ، وَالعِقَابُ مِنْهُ عَدْلٌ، يَخُصُّ مَنْ يَشَاءُ بِمَا يَشَاءُ؛ ) لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسَئَلُونَ(. فَصْلٌ وَمِنَ الجَائِزَاتِ: انْبِعَاثُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، وَتَأْيِيدُهُمْ بِالمُعْجِزَاتِ. وَلَهَا شَرَائِط: مِنْهَا أَنْ تَكُونَ فِعْلاً لِلَّهِ، خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، وَأَنْ يَقَعَ التَّحَدِّي بِهَا، وَأَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى، وَأَنْ يَعْجَزَ المُتَحَدُّونَ بِهَا عَنِ المُعَارَضَةِ وَالإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا. وَمِنْ أَحْكَامِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ: وُجُوبُ العِصْمَةِ عَمَّا يُنَاقِضُ مَدْلُولَ المُعْجِزَةِ عَقْلاً، وَعَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الكَبَائِرِ إِجْمَاعًا. وَقَدْ تَحَدَّى سَيِّدُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضُرُوبٍ مِنَ المُعْجِزَاتِ، مِنْهَا: القُرْآنِ العَظِيمِ، وَانْشِقَاقُ القَمَرِ، وَنُطْقِ العَجْمَاءِ، وَتَكْثِيرِ القَلِيلِ، وَنَبْعِ المَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَإِنْبَاؤُهُ عَنِ الغُيُوبِ الَّتِي لاَ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا إِلاَّ بِالْوَحْيِ، فَظَهَرَتْ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، مُوَافِقَةً لِدَعْوَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَامْتَنَعَتْ المُعَارَضَةُ مِنَ الخَلاَئِقِ أَجْمَعِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً. فَوَجَبَ الإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، وَسُؤَالِ مُنْكرٍ وَنَكِيرٍ، وَالصِّرَاطِ، وَالمِيزَانِ، وَالحَوْضِ، وَالشَّفَاعَةِ، وَأَنْبَاءِ الآخِرَةِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً. وَأَنَّ جُمْلَةَ أَحْكَامِ التَّكَالِيفِ، وَقَضَايَا التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَقَضَايَا التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ مُتَلَقَّاةٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاَ مَجَالَ لِلْعُقُولِ فِيهَا. وَأَنَّ أُصُولَ الأَحْكَامِ: الكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ. وَأَنَّ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ أَوْ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ فَهُوَ حَقٌّ، لاَ يَجُوزُ العُدُولُ عَنْهُ بِحَالٍ، وَمُشَاقَّتُهُمْ فِسْقٌ وَضَلاَلٌ. وَمِمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ: وُجُوبُ التَّوْبَةِ عِنْدَ مُقَارَفَةِ الذَّنْبِ. وَهِيَ عَلَى الفَوْرِ، لاَ تَجُوزُ الفُسْحَةُ فِيهَا بِحَالٍ. وَحَقِيقَتُهَا: النَّدَمُ لِأَجْلَ مَا فَاتَ مِنْ رِعَايَةِ حُقُوقِ اللهِ. فَإِذَا تَوَفَّرَتْ عَلَيْهَا شَرَائِطُهَا، فَقَدْ وَعَدَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِقَبُولِهَا. وَمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا، وَقَدْ قَارَفَ كَبِيرَةً وَلَمْ يُوَفَّقْ إِلَى التَّوْبَةِ عَنْهَا، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، أَوْ شَفَّعَ فِيهِ شَفِيعًا، أَوْ عَاقَبَهُ مُدَّةً وَأَدْخَلَهُ الجَّنَةَ. وَأَنَّ الإِيمَانَ: هُوَ التَّصْدِيقُ. فَمَنْ صَدَّقَ اللهَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. فَصْلٌ وَمِنَ الجَائِزَاتِ: عَقْدُ الإِمَامَةِ. وَلَهَا شَرَائِطٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ قُرَشِيًّا، وَأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُفْتِيًا، وَأَنْ يَكُونَ ذَا كِفَايَةٍ وَنَجْدَةٍ عِنْدَ نُزُولِ الدَّوَاهِي وَالمُلِمَّاتِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا؛ إِذْ لاَ مَعْصُومَ إِلاَّ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَثْبُتَ نَصًّا، بَلْ تَثْبُتُ نَصًّا أَوْ اجْتِهَادًا. فَهَذَا مِمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. فَصْلٌ وَأَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّمَ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ تَعَارَضَتِ الظُّنُونُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ؛ فَهُمُ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَالأَئِمَّةُ المَهْدِيُّونَ. فَهَذِهِ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فِي سَبِيلِ الإِيجَازِ، وَمَا لاَ يَسَعُ أَحَدٌ تَرْكُهُ مِنَ العُقَلاَءِ إِلاَّ بَعْدَ إِحَاطَةِ العِلْمِ بِهَا، تَلَقَّاهَا الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ. وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا، وَالقِيَامِ بِرِعَايَةِ حُقُوقِهَا، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتِمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرِينَ الطَيِّبِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
| |
|
ابن الطيب Admin
عدد الرسائل : 704 العمر : 48 السٌّمعَة : 12 نقاط : 829 تاريخ التسجيل : 17/08/2008
| موضوع: رد: العقيدة البرهانية والفصول الإيمانية .. !! الثلاثاء 24 يناير 2012 - 22:27 | |
| شكرا على الموضوع القيم جعله الله تعالى في ميزان حسناتك | |
|