بقلم: مكرم محمد أحمد
لا يصلح السيف رمزا للإسلام لأن الإسلام رحمة وعدل حفـاظ المسـلم عـلي عـلاقـات طـيبة مـع جــاره القبطـي تكــليف ديني يثــاب عليه يــوم القــيامة أوافــق البـابـا شــنودة مـائة في المـائة.. الإســــلام يترك للأقبــاط تنظيم أحــوالهم الشـــخصية
عندما انحسر دور الأزهر, وتعطلت رسالته في أن يكون منارة الإسلام المعتدل والمرجعية الأساسية لوسطية الدين الحنيف, وتم تجفيف إمكاناته وحصار دوره كي يكون مجرد مسجد للصلاة نشطت جماعات المتطرفين وظهرت دعاوي التكفير والهجرة, ونمت عصابات الإرهاب في أرجاء كثير من عالمنا العربي, تستقي فكرها من فقهاء البادية ودعاة الشعوبية تتهم الجميع بالكفر, وتسعي إلي التفتيش في صدور الناس, وترفع سلاح المسلم علي المسلم, وتنشر الخراب والفتنة في العالم الإسلامي باسم الصحوة الإسلامية المقبلة خدمة لمصالح من يريدون أن يظل العالم الإسلامي مهمشا منقسما علي نفسه بعيدا عن صحيح الدين الحنيف غارقا في الجهل والتخلف. هذا ما حدث في السودان والجزائر واليمن ومصر والصومال, ابتداء من ظهور الأفغان العرب أصحاب اللحي الطويلة والجلاليب القصيرة حاملي الرشاشات الثقيلة إلي الحرب الإهلية الدائرة في الصومال التي تجري علي أشدها في أفقر بلد عربي وأشدها احتياجا إلي العون وأكثرها سفكا لدماء المسلمين باسم الإسلام.
هل يمكن أن يعود الأزهر إلي سابق دوره, مرجعية عالمية لوسطية الإسلام, يصحح هذا الكم الضخم من المفاهيم المغلوطة حول معني الجهاد, وعلاقة السيف بالمصحف, وحقيقة التكليف الإلهي الذي يطلب من الفرد المسلم أن يحمل راية الجهاد إلي أن يظهر الله الإسلام علي الدين كله.
هكذا بدأ الحوار مع فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر ليمتد ساعتين يغوص في عمق مشكلات الأزهر والعالم الإسلامي بحثا عن إجابات صحيحة.
* فضيلة الإمام الأكبر, بعد تعيينك شيخا للأزهر, قلت إن هناك ثوابت أساسية تحكم الأزهر وتحكم من يتقلد منصب الإمام الأكبر, أهمها وسطية الأزهر واعتداله, وعالميته باعتباره المرجعية الصحيحة للإسلام, ما هو المقصود بالضبط من الوسطية وهل هي نقطة هندسية في مكان وسط بين الغلو في التطرف والغلو في التفريط؟
{{ الشيخ: في البداية أرحب بكم كثيرا, وكذلك مشيخة الأزهر ترحب بوجودكم معنا اليوم, وفيما يتعلق بتعريف الوسطية فإني أري أن الإسلام يساوي الوسطية, والوسطية تساوي الإسلام, وهذه الحقيقة ليست أمرا مستنبطا صدر عن أذهان العلماء أو استقراء جاء به نفر من الشراح, وإنما هو أمر منصوص عليه نصا واضحا في القرآن في الآية الكريمة( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس) سورة البقرة آية143 والوسطية هي العدل. والرسول عليه السلام قال: أوسطكم أكثركم عدلا, ومن هنا تستطيع أن تقول وأنت مطمئن إما أن يكون المسلم وسطيا أو لا يكون مسلما, لأن المسلم صحيح الإسلام لا يستطيع أن يتزحزح عن الوسطية لا إلي اليمين ولا إلي اليسار.
ووسطية الإسلام ليست وسطية أرسطو الذي يعتبر الفضيلة وسطا بين رذيلتين, ولا هي وسطية رياضية أو حسابية, وإنما هي وسطية أخلاقية اجتماعية كونية, تنظر إلي الكون بمعيار المفاضلة العادلة بين نقيضين متضادين أن تكون ماديا حسيا كما كان بنو إسرائيل في التوراة, يحلون قتل الآخر وخداعه بل وسرقته إن كان علي غير دينهم من الأغيار أو تكون روحانيا تعطي للآخر خدك الأيمن إن صفعك علي خدك الأيسر, وإذا طلب أحد رداءك تتركه حتي لو كنت محتاجا إليه, كما تقول المسيحية أما الإسلام فيتبني قاعدة مغايرة( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) سورة النحل آية126, والحقيقة أن وسطية الإسلام هي اعتراف بالفطرة الإنسانية السوية التي ترفض العبودية والرق التي كانت جزءا من النظام الاجتماعي في عهود اليهودية والمسيحية, كما ترفض فكرة وجود منبوذين بين البشر بحكم أقدارهم, كما تقول عقائد الهنود, ففي الإسلام يتحدد موقف المسلم بأن يكون وسطا بين المادة والروح, يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا, وليس مقبولا من المسلم أن يغفل عن دنياه لصالح آخرته أو العكس, وهذه الوسطية هي التي صنعت حضارة الإسلام ونشرت الدين الإسلامي, وجعلت أقواما عديدين يتقبلونه باعتباره دين الفطرة وطوق النجاة الذي ينقذ البشرية من جاهليتها.
* فضيلة الإمام: هناك في الغرب من يصر علي أن الإسلام انتشر بحد السيف, وهناك بين المسلمين من يري أن السيف هو الرمز الصحيح للإسلام؟
{{ الشيخ: ليس صحيحا أن الحضارة الإسلامية فرضت نفسها علي العالم بحد السيف, الإسلام انتشر في العالم لأنه دين الفطرة ودين العقل الذي خاطب عقول الناس وقلوبهم, وساوي بين البشر ودعا إلي العدل, ولا يصلح السيف رمزا للإسلام لأن الإسلام رحمة وعدل, والمسلم لا يحمل سيفه عدوانا علي الآخرين, وإنما يحمله للدفاع عن الأرض والوطن والعقيدة والإسلام يحض المسلم علي أن يكون قويا قادرا علي الدفاع عن وطنه ودينه ونفسه, لكنه لا يحرضه علي العدوان علي الآخرين.
* فضيلة الإمام: لماذا تراجعت مكانة الأزهر كمرجعية معتدلة للعالم الإسلامي أمام المذاهب المتشددة وأفكار التطرف؟! وهل تآكلت مرجعية الأزهر لأنه أصبح خاضعا لولي الأمر؟! أم لأنه فقد القدرة علي التجديد؟! أم لأن شيخ الأزهر لا يأتي بالانتخاب؟!
{{ الشيخ: علينا أن نتلمس الأسباب الصحيحة التي أدت قبل50 عاما إلي أن ينزوي الأزهر في ركن معزول علي حين سيطرت علي الساحة المذاهب والتيارات المتشددة ولدي اقتناع كامل تسانده الوثائق بأن النظام الحاكم في مصر أراد في هذه الفترة إضعاف دور الأزهر بعد أن اختار الاشتراكية مذهبا للحكم ليظل الأزهر مجرد مسجد ينحصر دوره في دروس الدين لأن للمعسكر الاشتراكي موقفه الواضح المعادي للدين, بدعوي أن الدين أفيون الشعوب ومن الضروري العمل علي تقليل دوره لأنه بمثابة النقيض للفكر الاشتراكي الذي يعتنق الإلحاد.
* ولكن مصر يافضيلة الإمام لم تصل في اعتناقها للاشتراكية إلي حد معاداة الدين والدعوة إلي الإلحاد؟!
{{ الشيخ: هذا صحيح, لكن سيطرة بعض العناصر الماركسية والاشتراكية علي الثقافة في مصر خلال هذه الفترة أسهمت في تحديد دور الأزهر ومكانته وأدت إلي تراجع دوره خارج مصر علي حين نشطت جهود آخرين لتملأ هذا الفراغ, نشطت الكنيسة الغربية في دورها التبشيري في إفريقيا, ونشطت الماركسية في جهودها للتقليل من أهمية الدين وساد فقه البادية, وسعت الوهابية إلي أن تملأ جزءا من هذا الفراغ, وثمة وثيقة مهمة تشرح كل هذه الأسباب كتبها الشيخ شلتوت رحمه الله في رسالة بعث بها إلي الرئيس عبدالناصر يشكو من هذا الفراغ, كما يشكو من ضعف دور الأزهر يختتمها الشيخ الجليل بعبارة ذات مغزي تقول للرئيس عبدالناصر: إن لم يكن في وسع مصر في هذه الفترة الدقيقة أن تضيف للأزهر أرضا جديدة, فلا أقل من أن تحافظ علي الأرض التي كسبها الأزهر خارج مصر خاصة في إفريقيا.
* ما أذكره يافضيلة الإمام أن أساس المشكلة يعود إلي قانون تطوير الأزهر الذي صدر عام1960 والذي لايزال موضع خلاف بين الأزهريين حتي اليوم, لأن هناك من يعتقدون أن تطوير الأزهر كي يجمع بين التعليم المدني الحديث والتعليم الديني كي يتخرج منه الطبيب الأزهري والمهندس الأزهري الذي يجمع بين المهنة والدعوة الدينية يمثل خطوة إلي الامام لأنه يوجد داعية عصريا يستطيع أن يسهم في تقدم حياة الشعوب في إفريقيا, وغير إفريقيا كما أن هناك من يعتقدون أن الهدف من ذلك كان إضعاف الدور الديني للأزهر؟!
{{ الشيخ: السؤال ممتاز ومهم, والإجابة الصحيحة عنه تلخص الوضع الذي نحن عليه الآن, صحيح أن فكرة القانون جيدة وجميلة, لكن مع الأسف جاء التطبيق سيئا وهو ما أفسد الفكرة وجعلها خاوية الوفاض, لأن القانون تمت صياغته علي عجل وقيل إنه صيغ في ليلة واحدة, وقد كنت من أوائل الذين طبق عليهم النظام الجديد عندما صدر القانون عام1961, وكان علي أن أدرس المنهجين: منهج وزارة التربية والتعليم بالكامل ومنهج الأزهر كاملا علي مدي خمس سنوات وبرغم صعوبة الجمع بين المنهجين واصلنا الدراسة لأن التعليم كان لايزال منضبطا وقويا, ومع الأسف تغير الحال, ولم يعد الطلاب قادرين علي هضم المنهجين وأصبح الطالب ضعيفا هنا وضعيفا هناك, ومازاد من سوء الموقف أن كل من ينجح في الثانوية الأزهرية لابد أن يدخل الجامعة بمن فيهم الحاصلون علي50% والآن نحاول إصلاح الموقف من خلال إنشاء شعبة للعلوم الأزهرية إلي جوار شعبتي الأدبي والعلمي يدخلها من يريد التخصص في العلوم الدينية ابتداء من أولي ثانوي ويشترط فيمن يتقدم إلي هذه الشعبة أن يكون من حفظة القرآن ودرس آداب وقواعد اللغة العربية.
* أخشي يافضيلة الإمام أن تذهب الغالبية إلي التعليم المدني؟
{{ الشيخ: سوف يكون الأزهر هو الطرف الكاسب إن توفر في كل محافظة فصل واحد لشعبة العلوم الأزهرية لأننا سوف نساعد علي تخريج علماء دين أقوياء, وسوف يكون لهؤلاء نصيب وافر من العلوم المدنية يكمل تكوين شخصياتهم, وفي الخطة أن تكون هناك حزمة من الحوافز تشجع الطلاب علي الدخول إلي هذه الشعبة أهمها أن يتكفل الأزهر بكل مصاريف الدراسة والإقامة.
* يقول لنا تاريخ الحضارة الإسلامية إن بعضا من علماء الدين تفقهوا في علوم الفلك والرياضة والجبر والهندسة والكيمياء ولهم كتابات مهمة في هذه التخصصات كانت أساس النهضة الأوروبية؟!
{{ الشيخ: هذا صحيح لكنهم كانوا فقهاء في علوم الدين وفقهاء في علوم الطب والرياضيات والفلك معا, ولا يزال لدينا بعض الأمثلة من هؤلاء, وآخرهم كان يؤدي امتحاناته في علم الموسيقي إلي جوار دراسته الدينية.
* هل لكم في الأزهر موقف معاد للموسيقي؟!
{{ الشيخ: لا نحرم الموسيقي لأنها ترقي بالمشاعر الإنسانية.
* أدخلت الكنيسة الموسيقي ضمن طقوسها الدينية لجذب الشباب؟!
{{ الشيخ: الموسيقي دخلت الكنيسة لأن العقيدة المسيحية تقبل التصوير وهو جزء مهم من طقوسها لكن الإسلام يقوم علي التجريد وفي التوحيد أن الله لا شبيه له, ولذلك لا أحتاج في المسجد إلي الموسيقي أو إلي فنون التصوير لأن التجسيد غير التجريد.
* هل أفهم من اجاباتك يافضيلة الإمام أن استعادة الأزهر لدوره ومكانته وقف علي تخريج علماء ودعاة أجلاء, وأن الأمر لا علاقة له بسيطرة ولي الأمر علي الأزهر أو تعيين شيخ الأزهر بدلا من انتخابه؟!
{{ الشيخ: دعنا نكن صرحاء في الرد علي هذا السؤال, لأنه ما من مؤسسة دينية في العالم أجمع يمكن أن تكون خارج إطار دولتها, أو يطلب منها العمل ضد نظام الدولة, بما في ذلك الفاتيكان الذي برغم أنه دولة داخل الدولة إلا أنه جزء من النظام الغربي لا يخرج عن سياساته العليا, وعندما سألوني في قطر عن مدي تبعية الأزهر للحكومة آثرت أن يكون ردي مختصرا وقلت لهم: هل يستطيع الشيخ القرضاوي أن ينطق حرفا ضد نظام سمو أمير قطر, وما أستطيع أن أؤكده لك وأنا شيخ الأزهر أن مؤسسة الأزهر لاتحمل أجندة الحكومة علي عاتقها, لكن الأزهر لا ينبغي أن يكون ضد الحكومة لأنه جزء من الدولة وليس مطلوبا منه أن يبارك كل ما تقوم به الحكومة, وعندما جئت شيخا للأزهر وافق الرئيس مبارك علي استقالتي من عضوية المكتب السياسي للحزب الوطني كي يتحرر الأزهر من أي قيد, ولا أظن أن هناك دولة إسلامية تتمتع فيها المؤسسة الدينية بما يتمتع به الأزهر من مكانة وكرامة وتحرر, وبالمناسبة أنا لست ضد انتخاب شيخ الأزهر من هيئة علمائه, لكنني أخشي الشللية والمجاملة التي أفسدت انتخابات عمداء الكليات!!
* شيخنا الجليل: مع الأسف تحول الدين في نظر البعض إلي مظاهر وطقوس شكلية, تقصير الجلباب وتطويل اللحي والاهتمام بصغائر الأمور وتسييس الدين والمباهاة بالتشدد؟!
{{ الشيخ: أعود فأقول إنه في غيبة دور الأزهر نشط السلفيون ونشطت بعض المذاهب الوافدة, وحاولت الوهابية أن تملأ الفراغ وانتشر فقه البادية, علي حساب فقه الوسط, ووجدنا عشرات الكتب التي كان يطبعها الأزهر لترويج فكر الوسطية خاصة كتب الأشعري وتفسير الجلالين وقد أعيد طباعتها خلسة في الخارج, وأضيف إلي حاشيتها تفسيرات وإضافات لم تكن موجودة في النسخ التي طبعها الأزهر لترويج أفكار متشددة رفضها الأزهر علي طول تاريخه, ومع الأسف فإن قلة امكانات الأزهر قيدت قدرته علي تحجيم هذه الأفكار في ظل انتشار موضة الفضائيات التي مع الأسف يروج بعضها للتطرف ويروج بعضها للخرافة.
* ألا تمثل قناة أزهري الأزهر؟!
{{ الشيخ: هي تستخدم اسم الأزهر في غفلة منه, وقد اعترضنا علي ذلك لكن الإمام الراحل د.سيد طنطاوي قال: دعوها تحمل هذا الاسم لكنها لا تمثل الأزهر!
* وما الذي تأخذه علي قناة أزهري؟!
{{ الشيخ: المسئول عنها ليس عالما أزهريا والقناة قائمة بأموال غير مصرية وهناك شكوي حول مصالح خارجية لا تدعو إلي الاطمئنان ومن هنا رفض مجمع البحوث الإسلامية أن تمثل هذه القناة الأزهر.
* لكن الشيوخ العاملين في القناة برغم إسرافهم الشديد في الأناقة والملبس واتباع آخر الموضات إلا أنهم استطاعوا الوصول إلي شريحة كبيرة من الشباب والسيدات؟!
{{ الشيخ: هذا يؤكد لك أن المسألة ليست علما وليست دينا وليست لوجه الله, وإنما هي تجارة في تجارة, ونحن نعد أنفسنا الآن لكي نخرج علي الناس ببرامج جديدة تخاطب الشباب وتخاطب المرأة تروج لصحيح الإسلام, وتدعو لاستخدام العقل, وسوف نبدأ ببرنامج أسبوعي يشارك فيه عدد من الدعاة الثقاة المعروفين بحسن تواصلهم مع الجماهير والمعروفين أيضا بعلمهم النافع واستنارتهم ليردوا علي القضايا والفتاوي والآراء التي يروج لها المتشددون للخرافات.
* هل محكوم علينا كمسلمين أن نظل في حرب وصراع مع الآخر إلي أن يظهر الله الإسلام علي الدين كله؟!
{{ الشيخ: لسنا مكلفين بهذا ولانعتقد أن الناس جميعا سيكونون يوما ما علي دين واحد هو دين الإسلام, هذا ليس موجودا في أي نص إسلامي واختلاف البشر في العقائد والألسنة والألوان والأفكار حقيقة قرآنية وستظل كذلك إلي أن يرث الله الأرض وما عليها, وقد قلت في إحدي محاضراتي عن العولمة في مؤتمر مسيحي عقد في روما: إن العولمة سوف تفشل لأن البشر جبلوا علي الاختلاف, وأنا كمسلم لست مكلفا بأن أحمل السيف لأظهر الإسلام علي الدين كله في هذا العصر, لكن مكلف بالتعارف والتواصل وتبادل المنافع مع الشعوب الأخري, ولو أنك استعرضت القرآن آية آية فإنك لن تجد ذكرا للسيف علي الاطلاق, وهذا ما لم ينتبه إليه كثيرون, علي حين ذكر سفر يوشع في التوراة السيف31 مرة: أبيدوهم بالسيف واقتلوهم بالسيف الرجال والنساء والأطفال والحمير والبهائم وبرغم ذلك يتحدثون عن الإسلام باعتباره دين عنف!
* ولكن هناك من الدعاة من يتحدثون عن آية السيف في القرآن الكريم التي تدعو إلي قتال الكفار حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟!
{{ الشيخ: آية السيف نزلت في أمر الخارجين علي الدين الذين قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأوقعوا بالمسلمين ظلما شديدا, وهذا ما يؤكده سياق الآية في إطار ما سبقها وما لحقها من آيات والفكر القرآني الصحيح ينص علي أنه لا إكراه في الدين, وعندما خاطب الله الرسول الكريم قائلا: أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين سورة يونس آية99 كان القصد من الاستفهام في أول الآية إنكار أن يكره الرسول الكريم الناس علي الإيمان.
* فضيلة الإمام: قلت في حديث سابق, إن حوار الأديان لم ينتج أثرا وأن الحوار في العقائد جدل عقيم لأن أحدا لن يغير فكر الآخر؟!
{{ الشيخ: لكننا نستطيع أن نتوافق علي القيم الخيرة التي تجمع عليها كل الأديان, ولو أننا نجحنا في ذلك لكان كسبا مهما للجميع, ومع الأسف فإن الحوار الذي شاركت في عدد من جلساته عقدت في إيطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة حوار كسيح لم يحقق للمسلمين كثيرا ولم يسفر عن أي تغيير حقيقي في مواقف الغرب علي مستوي القرار, سواء فيما يتعلق بمساندة الغرب لإسرائيل علي طوال الخط ومساعدتها علي المماطلة في الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني أو حتي علي المستوي المتعلق بضرورة احترام رموز الإسلام كما نحترم ـ نحن المسلمين ـ رموز الأديان الأخري كما وضح في قضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم ـ صلي الله عليه وسلم ـ التي اعتبروها قضية حرية تعبير برغم أنها لا تمت بصلة إلي قضية حرية الرأي, صحيح أن الحوارات أسفرت عن بعض الود والتعاون لكنها لم تغير شيئا من واقع الحال.
* لماذا؟!
{{ الشيخ: أعتقد أن الغرب لاتزال تحكمه بعض الثوابت ذات الأصول الاستعمارية التي يحاولون تطويرها شكلا لتناسب القرن الحادي والعشرين فهم لا يزالون يختلقون ويصطنعون بؤر التوتر في مناطق العالمين العربي والإسلامي لترويج صناعات السلاح لديهم ولايبذلون جهدا مخلصا من أجل تسوية عادلة ومشرفة للقضية الفلسطينية.
* وما العمل؟!
{{ الشيخ: ما لم تتحد مواقف العرب فلا أمل والقرآن يقول( ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) سورة الأنفال آية46.
* عندما نتكلم عن حوار الأديان فيكاد الحوار ينحصر مع المسيحية دون اليهود لماذا؟
{{ الشيخ: بين المسيحية والإسلام منذ أزل مد وجذر وفي القرآن أن النصاري أقرب إلي المسلمين لأن بينهم قسيسين ورهبانا ومريم هي أفضل نساء العالمين نصا في القرآن, أما بني إسرائيل فيريدون فقط من الحوار استدراج العرب إلي التطبيع دون أن يقدموا شيئا حقيقيا للفلسطينيين, برغم أن الرسول الكريم كان يتعامل مع اليهود بدرجة عالية من الود والاحترام إلي حد أنه كان يطلب من المسلم إذا تزوج يهودية ألا يجبرها علي تغيير دينها وأن يأخذها إلي المعبد كي تصلي, وبين اليهود أعداد قليلة يميلون إلي الانصاف, وما ينبغي أن يعرفه العرب والفلسطينيون أن إسرائيل لن تعيد حقوقهم علي طبق من فضة أو نحاس أو ورق, ومن يري غير ذلك فهو في الحقيقة يحلم, وعلي الفلسطينيين أن يتحدوا دفاعا عن حقوقهم المشروعة وأن يستخدموا حقهم المشروع في مقاومة المحتل بما في ذلك المقاومة.
* هل تبرر المقاومة قتل المدنيين الأبرياء؟
{{ الشيخ: المقاومة ينبغي أن تتوجه إلي قوات الاحتلال واضعاف القدرة العسكرية للمحتل والمستوطنين.
* كنت ألقاك كثيرا في حضرة الإمام الراحل د.سيد طنطاوي ما هي رؤيتك لبعض مواقفه التي اختلف من حولها كثيرون؟
{{ الشيخ هذا المبني الذي نحن فيه هو أثر من آثار الإمام الأكبر الراحل ودار الافتاء كانت قبل أن يتقلد الشيخ طنطاوي هذا المنصب مجرد شقة في العباسية من غرفتين, وقد يبدو للبعض أن هذه الانجازات شكلية لكنها ليست كذلك, وأظن أنه صنع كثيرا للأزهر, وساهم في توسيع التعليم الأزهري لكن المشكلات الكثيرة هي التي حدت من دوره.
* هل يمكن أن تستقبل في مكتبك بعض الحاخامات كما فعل؟! وهل يمكن أن تصافح شيمون بيريز إذا التقيته مصادفة في إحدي المناسبات؟!
{{ الشيخ: لا استطيع أن أستقبل الحاخامات ولا استطيع مصافحة بيريز ولا استطيع أن أوجد معه في مكان واحد,ولا أظن أن الشيخ سيد طنطاوي كان يعرف أنه يسلم علي بيريز.
* ولماذا هذا التشدد من جانب فضيلتك؟!
{{ الشيخ: ليس لأنه يهودي ولكن لأنه أحد الذين خططوا لعدوان إسرائيل الصارخ علي الشعب الفلسطيني والاستيلاء علي القدس التي هي واحدة من أهم المقدسات الإسلامية التي أشعر بقيمتها الهائلة, ولو أنني صافحت بيريز فسوف أحقق له مكسبا لأن المعني أن الأزهرصافح إسرائيل, وسوف يكون ذلك خصما من رصيدي, وخصما من رصيد الأزهر لأن المصافحة تعني القبول بتطبيع العلاقات وهو أمر لا أقره إلا أن تعيد إسرائيل للفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
* فضيلة الإمام الأكبر لماذا يتخلف المسلمون؟! ولماذا تنتشر بينهم الخرافات برغم أن الإسلام يعتبر التفكير واستخدام العقل فريضة واجبة؟!
{{ الشيخ: لأن المسلمين تجاهلوا الدين الصحيح, لأن الإسلام في ينابيعه الأولي يحض علي التفكير والعلم ويضع فروقا واضحة بين المسلمات الغيبية وبين الخرافات, وفي ظل الإسلام الصحيح قامت الحضارة الإسلامية التي أنجزت الكثير في العلم والطب والفلك والهندسة لأن الإسلام لم يضع قيدا علي استخدام العقل, وحذر من الفرقة التي تسبب الضعف, وهذا عكس ما حدث في الغرب الذي لم يحقق تقدمه إلا بعد أن أقصي دور الدين لصالح العقل, لأن الكنيسة كانت سلطة استبداد وجهل تنكرت للعقل كما تنكرت للعلم!!
* في أول أيام توليك المشيخة قلت إن تحقيق الوحدة الوطنية ينبغي أن يكون أول مهام الأزهر كيف يتحقق ذلك هل بمعاودة تبويس اللحي مع البابا شنودة كما يحدث في كل أزمة؟!
{{ الشيخ: الروابط بين الإسلام والمسيحية كثيرة وكثيفة ولهذا فإن محافظة الأزهر علي الوحدة الوطنية تدخل في نطاق واجبه الديني لأن بين المسيحية والإسلام نسبا وصهرا, وعندما يحافظ المسلم علي علاقات طيبة مع جاره القبطي فهو يؤدي تكليفا سوف يثاب عليه يوم القيامة, ودور الأزهر أن يستخرج من كتب التراث والتاريخ الإسلامي وأحكام الدين هذا الزخم الهائل من الثقافة الإسلامية التي تحض علي علاقات طيبة مع الأقباط لأن الدين يأمرنا بذلك, حفاظا علي الوحدة الوطنية, وهذا ما ينبغي أن تفعله الكنيسة القبطية بالنسبة لتراثها الثقافي مع الإسلام, وأعتقد أن ذلك سوف يكون مجال تعاون مشترك.
* هل ترقي حقوق الذمي في الإسلام إلي حدود المواطنة الكاملة؟!
{{ الشيخ: نعم وأكثر, والجزية كانت نوعا من ضريبة الدفاع عن النفس لأنهم ما كانوا يشاركون في الجندية, وقد سقطت منذ زمن لأن الأقباط يخدمون في الجيش, والآن يشاركون في الدفاع عن الوطن, لهم ما لنا وعليهم ما علينا, وإن كان من العدل أن يكون منصب رئيس الجمهورية من نصيب الأكثرية المسلمة كما هو الحال في كل الدنيا.
* هل يدخلون في طائفة المؤمنين؟!
{{ الشيخ: نعم لأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر وإذا كان الرسول اعتبر في وثيقة المدينة اليهود من طائفة المؤمنين فالأولي بالأيمان هم أخوالنا الأقباط الذين تزوج منهم أبونا إبراهيم كما تزوج منهم رسول الله, وفي الإسلام لا يتزوج المسلم الكافرة ولا يأكل طعام الكافر لكنه يتزوج من القبطية ويمكنها من الحفاظ علي دينها إلي آخر حياتها ويأكل طعام القبطي.
* هل توافق البابا شنودة علي أن شريعة الإسلام تركت للأقباط أن ينظموا أمور زواجهم طبقا لعقائدهم وعاداتهم؟!
{{ الشيخ: نعم أوافقه وأدعمه مائة في المائة, وحجة البابا شنودة صحيحة تماما.
* هل يوافق الأزهر علي قانون يوحد قواعد بناء دور العبادة للمسلمين والأقباط؟!
{{ الشيخ: الإسلام ضمن للمسيحيين واليهود بناء الكنائس والمعابد وضمن لهم أن تضرب أجراسهم وتقام أعيادهم.
* هل وضع الإسلام شروطا؟!
{{ الشيخ: لا شروط في الإسلام وبقدر حاجة الأقباط يتم بناء الكنائس, وهذا ما يقوله عهد الرسول الكريم لنصاري نجران, والخط الهيمايوني ليس موجودا في الإسلام لكنه أحكام لفقه واقع يسري عليها التغيير إذا تغير الواقع تغيرت أحكامه.
* هل يكفي المجتمع المسلم شرطا ألا تكون قوانينه ضد الشريعة؟!
{{ الشيخ: نحن في مجتمع مسلم ومن ينكر ذلك فهو آثم, والأمور التي لا يتم فيها تطبيق الشريعة في مصر تدخل في باب المعصية أو باب الطاعة, ولا تدخل في باب الإيمان والكفر, شارب الخمر يموت مسلما عاصيا, وليس كافرا, ولا يمكن أن أحكم عليه مسبقا بأن سوف يصلي الجحيم لأن ربك أعلم بعباده, هذا هو فكر الأزهر ووسطيته, والذين يتعقبون الناس بحثا عن مثالبهم يرتكبون المعصية, وإذا تكلمنا عن الحدود فإن للحدود شروطا متي توافرت صح قيامها ولو لم تقم الحدود شروطا مع توافر شروطها فهذا يدخل في باب المعصية وليس الكفر والإيمان.
* سؤالي الأخير فضيلة الإمام حول الفتنة التي تستعر الآن من جديد بين السنة والشيعة في العراق, وما هي الفروق بين الجانبين؟
{{ الشيخ: الفروق ليست جوهرية, هم يؤمنون بالله الواحد الصمد, ونحن نؤمن به, ويتبعون محمدا كما نتبعه ويقدسون القرآن الذي نقدسه, ويمكن أن نصلي خلف أئمتهم ويصلون خلف أئمتنا والخلاف محصور في ترتيبهم لأمور الخلافة لأنهم يعتقدون أن عليا كرم الله وجهه هو الأولي, والأكثر استحقاقا, ويعتقدون في تسلسل الائمة وصولا إلي المهدي المنتظر.
* ثمة من يقولون إنهم يقرأون مصحفا مغايرا يسمي مصحف فاطمة؟
{{ هذا غير صحيح وهم أنفسهم كذبوا ذلك.
{ هل يجوز حربهم؟
{ الحرب بين السنة والشيعة فتنة كبري وحرام حرام, نرجو من الله أن يدرأ أخطارها ولا أظن أنها سوف تحدث لأن الجميع يعرف عواقبها.
منقوول