الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر هو أحد الرموز الدينية المستنيرة في مصر والعالم العربي ، قد لا يعلم الكثيرون عنه انه ينتمي إلي الصوفية وأنه ورثها عن والده وجده في مدينة الأقصر .. في شهر رمضان كان من المناسب أن يدور حوارنا معه حول هذا الجانب في شخصيته ، لكن قضايا الإسلام والمسلمين وجامعة الأزهر فرضت نفسها هي الأخرى فكان هذا الحوار .... *قد لا يعرف الكثيرون أن الدكتور أحمد الطيب له اهتمامات وأصول صوفية فكيف نشأت هذه الاهتمامات ؟ **الجانب الصوفى أو التأثر بالحياة الروحية بالنسبة لى هذا أمر وجدته فى نفسى من طريقين : الأول يبدو أن شخصيتى على استعداد لهذا الجانب . أما الطريق الثانى فهى الأسرة التى ولدت فيها وأنتمى إليها فهى صوفية بالمعنى العملى وليس بالمعنى النظرى فقط ! *ماذا تعنى هل هناك فى الصوفية جانب عملى وآخر نظرى ؟ **لقد كان جدى من علماء الأزهر، وسلك طريق التصوف وعاش وطبقه فى حياته، ووالدى نفس الشيء حيث قضى عشرين عاما فى الأزهر القديم يدرس العلوم، وسلك طريق التصوف والزهد والحياة الروحية ، وأنا ولدت فى هذا الجو ! *إذن فهناك فرق بين التعمق فى علوم الدين والتصوف .. فما هو الفرق ؟ **هناك فرق كبير جدا ! وسؤالك يذكرنى بما قاله الإمام أبو حامد الغزالى الذى ولد 450 هجرية وتوفى 550 أى تقريبا مائة عام ، وهو أحد أعلام التصوف فى الفكر الإسلامى ، وكان يقول إنه درس علوم التصوف كاملة ، لكنه وجد أن هذا منتصف الطريق بالمقارنة بمن يعيش التصوف حالا لا مقالا ! فهناك من يقرأ فى التصوف ويتحدث فيه ، وهناك من يعيش التصوف ، وقال إن الفرق بين من يعلم التصوف ومن يعيش التصوف ، كالفرق بين من يعلم تعريف السٌكر ومن يكون سكرانا !! فمن هنا دخل طريق التصوف وكان عليه أن يترك كل ما فى يديه وحكى عن نفسه فى هذه التجربة ، وليت شبابنا يقرءون هذه التجربة فى كتاب تركه وهو « المنقذ من الضلال « ، وهذا الكتاب تقرر علينا فى كلية أصول الدين ، ودرسه لنا الدكتور عبد الحليم محمود وهو أيضا من كبار المتصوفين ! لهذا هناك فرق كبير بين من يعيش حالة الزهد ومن يدعو إلى الزهد ، فالتصوف الإسلامى قد يقوم بتدريسه مستشرق أجنبى – على سبيل المثال – لا يؤمن بالإسلام ، وكم رأينا فى الغرب أساتذة متطلعين لهذه العلوم ، وكان بينهم وبين التصوف تعاطف شديد لكنهم فى حياتهم العادية يشربون الخمر ويعيشون حياتهم الغربية ! الزهد والتصوف *لقد استخدمت لفظى الزهد والتصوف فهل هما مترادفان أم أن هناك فروقاً بينهما؟ **التصوف أكبر من الزهد بل هو بداية الطريق إلى التصوف ، فعلى سبيل المثال، الإمام الغزالى حين قال إنه حصًل كل العلوم، وحتى علوم التصوف حصلها تماما، ثم عين رئيس المدرسة النظامية فى بغداد، وهى تشبه الأزهر الآن فكانت هى المركز السنى العالمى ، وكان هو رئيسها ، فكان يقول يحضر درسى أربعمائة عمامة – أى طلاب وليس شيوخاً – وكان يحضر إليه طلاب من اليمن ، وفجأة توقف ، ثم ترك كل هذا وخرج بليل، وفرق ما معه من الأموال ، ونظر إلى أولاده، ثم رحل ، ودخل فى مرحلة التصوف، وانتقل من العراق إلى الشام ، ولم يحمل زادا ، وحين دخل المسجد الأموى أقام به ثلاث سنوات ولم يخرج ، وكانت هذه نقطة التحول فى حياته ، وهناك كان الفرق بين أن تعرف معنى التصوف وأن تعيش فيه! أو معنى السكر وأن تسكر ، وقال إن أقل ما يصل إليه الزاهد أو السالك إلى الله أنه يستطيع أن يخاطب الجماد ، ويسمعه الجماد بلسان فصيح، والإنسان العادى إذا كلم حجرا أو كلمه الحجر فسيجن ! *من هنا يتهم بعض المتصوفين بالجنون؟ **نعم ، كثيرون كما ذكرت نظرا لكونه أصبح مؤهلا لأن يترك أى شيء فى يده مما يتكالب عليه الآخرون ، وهو بالنسبة للآخرين مضطربا عقليا ، وهناك من يصل به الأمر أن يلبس ملابس خشنة ، وأن يترك العمل، وهناك الكثير من المظاهر السلبية فى هذا الأمر، لكن لا يجب أن نجعل الجائع يحكم على الشبعان ! أو فاقد الشيء لا يجب أن نحكَمه على من يحصل من جمع يديه على هذا الشيء! *ماذا تقصد ؟ **أنا أتحدث عن الصوفيين الحقيقيين، وليس على الأدعياء فلكل مجال أدعياء، حتى فى مجالنا فى الأزهر وبين العلماء هناك أدعياء ! فهناك من يفتون ومن يعتبرون أنفسهم علماء ! بل هناك أدعياء فى عالم الفن. والتصوف الحقيقى لحقته هذه الظاهرة، فنجد دراويش لكن ليس لديهم شيء فهم مجرد متشبهين بالتصوف! عبقرية التدين *هل هؤلاء الدراويش يستخدمون هذا الأسلوب للاسترزاق ؟ **طبعا ، فهذا نوع من الاسترزاق، لكن حينما أحكم على التصوف بهذه السلبيات فهذا خطأ منهجى ، وكان الدكتور عبد الحليم محمود وقد درس لنا التصوف فى أصول الدين عندما كان يتعرض لهذه الظاهرة كان يعطينا مثالا جميلا ، فيقول : إذا صادفك طبيباً مزيفاً زعم انه طبيب وعالجك على انه طبيب وكاد يودى بحياتك.. فهل الحل أن نغلق كلية الطب ، أم نفرز ونميز الدعى من الحقيقي؟ فحينما يحكم على التصوف بشكل عام من هذه المظاهر لأناس كل همهم الأكل والشرب والموائد ، فهذا حكم غير علمى غير منهجى غير صحيح ، وإذا طبقناه ، فسنلغى الأزهر لمجرد أن هناك دعاة غير حقيقيين ، وسنلغى الطب والفن وهكذا ، فالتصوف مجال من المجالات ودخله أدعياء ، لكن علينا أن ننظر إلى التصوف على انه تراث ، بل هو فى الحقيقة جوهر التدين ! وعبارة العقاد هذا الكاتب الجبار، حيث قال إن التصوف هو عبقرية فى التدين، فكما للجسم عبقرية فللروح عبقرية ! *من هو أول المتصوفة فى رأيكم ؟ **الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول المتصوفين ، قد يثور البعض لهذا لكن التصوف هو الزهد والسير إلى الله ، وترك ما فى الدنيا للتخفف ، حتى يكون الإنسان خفيفا وهو سائر إلى الله ! وهو تزكية الروح على حساب الجسد ، وهو تأديب النفس ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأعلى ، فعلى سبيل المثال ، فمسألة العزلة الموجودة لدى الصوفية حتى يكتشفوا حقيقة العالم ، الرسول حين نزلت عليه أول آية وحين علم انه رسول لم يكن فى بيته يأكل ويشرب ويتنعم ، لم يكن فى المجتمع المكى، إنما كان فى الغار ! فكان أول اتصال بين السماء والأرض كان هو فى غار حراء يتعبد، وهذا يدل على أن الإنسان يجب أن ينخلع من المادة حتى يرى ! *لكن هذا يحتاج إلى إرادة ومحاربة للنفس؟ **لهذا نحن نقول إن هذا التصوف مطلوبا من العامة ، بل هو كما قال العقاد عبقرية التدين ، ولن أطالب الناس أن يكونوا جميعا متصوفين فهذا مثلما أطالب الناس جميعا أن يكونوا مثل محمد على كلاى ، أو تكون أصوات كل النساء مثل أم كلثوم .. هذا لن يحدث ! *إذن فالتصوف هو موهبة فى رأيكم ؟ **نعم هو موهبة ، وهو صياغة معينة فى طبيعة الإنسان ، ثم بعد ذلك ينميها بإتباع منهج وإتباع مدارس كثيرة فى التصوف ، لكن القواسم المشتركة هى الزهد والتحلل من متاع الدنيا ، وهذا موجود فى القرآن . فالله تعالى حين يوصى النبى قائلا:» وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم فى الغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا « ! وهذا واضح تماما فحين جاء للرسول رجل أعمى أراد أن يهتدى ، وحرص النبى على أن يلقى أشراف قريش ليدخلوا الإسلام وترك الرجل قليلا ، فينزل العتاب فى قول تعالي:» عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى» فالموازين فى الدين وفى التصوف ليست هى موازين الدنيا ، فالدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة ! ولو أنها تزن جناح بعوضة ولها وزن لديه ما كان أعطاها لأعدائه، بينما نجد من يكفرون بالله هم أكثر الناس تمتعا بالدنيا ! لا أريد الاسترسال فى هذا حتى لا يظن البعض أنى من هؤلاء،لكننى رجل أحب هذا الاتجاه، وقدر الإمكان أحاول أن أتشبه بهم، وعشت فى هذا الجو! *إذن فأنت هاو ولست محترفا فى الصوفية؟ **أنا هاو ومحاول ، لا أكثر ولا أقل لكنى لا أزعم أنى قادر على تنفيذ هذا البرنامج ! إقامة الحق *رأينا نماذج للمتصوفين فى التاريخ الإسلامى أمثال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ظلوا فى الحكم ، وحديثا كما ذكرت د. عبد الحليم محمود ثم أنتم تسيرون فى طريق الصوفية لكنكم تتولون وظائف عامة هى أقرب إلى التمسك بالدنيا ألا يتناقض هذا مع الصوفية ؟ **لا هى ليست من الدنيا ! وهذا يختلف حسب صاحب المنصب هل هو يعيش المنصب بوجاهته « وبرستيجه « ومظاهره والتغول فى النفس والكبرياء ، هذه كارثة، لكن من يأخذها على أنها مسئولية وأن حقوق العباد فى رقبته وانه كما يعبد الله فى المسجد والصلاة ، فهو يعبده فى عمله وفى إقامة الحق والعدل والانتصار للمظلوم من الظالم، هذه التكاليف لا يمكن أن تدع لصاحب المنصب لحظة أن يهنأ بالمنصب ! *إذن أنت ترى العمل على انه نوع من التعبد ؟ **نعم هو تعبد وتكليف ، لهذا أنا لم أسع أبدا لشيء ،و لم أشعر أبدا بلذة لهذا المنصب ! ولا لأى مظهر من مظاهرة . *إذا كنت لا تسعد بمظاهر أى منصب فهل أسرتك تستريح لمثل هذا السلوك ؟ **لقد تعلمت هذا من والدى ، لأنه هكذا عاش وربانى على الزهد فى الدنيا والتقلل منها قدر الإمكان ، وأن السعادة فى هذا ! *هذه الأفكار ربما فى الوقت الذى نشأت فيه كان المجتمع بصفة عامة يربى أبناؤه على مثل هذه القيم كالستر والرضا وغير ذلك ؟ **لقد فتحت عينى على الزهاد من الفقراء لكنهم يتسمون بالنظافة يأتون بعد عملهم للذكر فى المسجد، ويكتفون بالقليل من الطعام، ويذهبون إلى أعمالهم ، وبيوتهم بسيطة جدا، ليس بها إلا الماء وقليل من الطعام، لكنهم يتمتعون بالرضا والسعادة ويبتسمون دائما ، لقد تأثرت بهذا كثيرا ، وشيئا فشيئا طبقته فى حياتي! *لوماذا عن الأبناء والأسرة ؟ **ابنى مهندس وابنتى متزوجة ولقد ربيتهم على هذا . *لوالأحفاد ؟ **لدى حفيدات وأحفاد ، وهؤلاء لا أقدر عليهم ! *لماذا ؟ **لقد نشئوا فى ظل القنوات الفضائية ، والتليفزيونات والموبايلات .. *لإذن أنت تعانى مما يعانى منه الكثير من أبناء الشعب المصرى الذى يحاط أبناؤه بكم هائل من التطلعات ولديهم قيم وأخلاق تشرف على الاندثار ؟ **لا أنا ألوم الأب والأم ، فهما الآن ليس لديهم وعى بأهمية هذه القيم ، وهذا يرجع إلى أن الأم المصرية لديها كم هائل من الحنان يجعلها تفقد البوصلة الصحيحة فى التربية ! فهى لا تطيق أن يحرم ابنها من شيء أو تمنعه عن شيء أو تعوده كيف يمتنع ، مع أن هذا موجود فى التربية المادية الحديثة فى أوروبا ، بألا يتعود الأبناء انه ليس كل ما يريدونه يجدونه ! فبالضرورة ستصادفه مئات الأشياء التى يهفو إليها ويستحيل عليه الوصول إليها ! *إذن كيف ربيت ابنيك ؟ **لقد ربيتهما على ألا يتكالبا وأوصيهما بتقوى الله ، وأن يرضيا بما قسم الله ، والعيش مع الفقراء . والحمد لله أنا لست فقيرا ولا غنيا فحالتى المادية متوسطة ، وكان والدى ينفق كل ما معه فى هذا الاتجاه، ولا يحسب حساب الأكل أو الشرب ، لقد كان يأكل مرة واحدة فى اليوم ، أكلا خفيفا . ولقد تعرض لتجارب قاسية جدا لمحاربة النفس والزهد،لعل هذا ما علمنى ألا أهتم بالشكليات التى أصبحت آفة مجتمعنا الآن، فعلى الرغم من أن ثقافتنا تركز على الجوهر ولا تهتم بالشكليات ، أصبحنا نركز على الشكليات ، بينما أوروبا الملحدة لا تتوقف عند الشكليات ولا تقيم لها أى وزن ، ويعملون العمل فى حقيقته ! *كيف يتخلص الإنسان من اهتمامه بالشكليات ؟ **هذا مرض كبير ، فهناك فرق شاسع بين الجيل الذى تربيت فيه والجيل الذى أربى فيه أولادى وأحفادى ! *ما هى علاقتك بأحفادك هل ترى فيهم صفات الأجيال الجديدة ؟ **الحقيقة أنا أعيش هنا وهم يعيشون فى الأقصر .. *هل كل الأسرة تعيش فى الأقصر ؟ **نعم زوجتى وابنى وابنتى .. *أليست هذه حياة صعبة ؟ **نحن هكذا ، حياتنا صعبة من زمان ! *لكن فيما يبدو أنكم شديدى التمسك بالأقصر ؟ **أسرتى وأولادى ، ولدينا مكان اسمه نطلق عليه « الساحة» يلجأ إلينا الناس فيه سواء للعبادة أو الزهد أو حتى حل المشكلات الاجتماعية . فهذه الأسرة والحمد لله هناك ثقة فيها منذ الجد ، وأنا أرى أن هذا تكليف اجتماعى ودينى وروحى ، والله وضع فى رقبتى أنا وأخى مصالح الناس ، وكان يمكن أن أستمتع وأعيش حياتى وترافقنى زوجتى هنا ، ولكن أبدا أنا لابد أن أشارك الناس ! *متى تسافر إلى الأقصر ؟ **كل أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر، أسافر الأربعاء مساء واقضى الخميس والجمعة وأعود يوم السبت ، وهم يحتفظون لى بنصيبى من مشاكل الناس ، بينما يعتقد البعض أنى أذهب هناك فى إجازة ، لكن عملى هناك أقسى من عملى فى الجامعة ! هذا هو الجو الذى أعيش فيه، لأب زاهد لا يستمتع لا يطمع لا يأكل كثيرا، إذا خرج إلى الناس خرج فى زى جميل ، وإذا دخل غرفته كان بها سرير من جريد النخل ، ولباس خشن من الصوف ومكتبة، فكان كثير القراءة والعبادة وقضاء حوائج الناس وتعليمهم وتهذيبهم ! فلم أر المتع التى يراها الأطفال كالطعام الأنيق والملابس الأنيقة ! *رغم أن هذا كان فى متناول أيديكم ؟ **نعم لكنه كان ينفق على الفقراء، وأنا آكل مع الفقراء ، شيئا فشيئا أصبح هؤلاء الناس هم أقرب الناس لى ، وأصبح الميزان الذى أزن به الشخصية هو معياره فى القيم أو الأخلاق ! *لكن هذه المظاهر الصوفية ألا تتشابه مع الرهبنة ومع البوذية وغيرها من الأديان والعقائد ؟ **لا التصوف فى الإسلام ليس رهبنة! *لكن فى الأديان الأخرى ما يتشابه مع التصوف ؟ **نعم لأن الزهد والاعتلاء على الدنيا هو قاسم مشترك بين جميع أنواع التصوف حتى فى غير الأديان كالبوذية ، فالسير إلى الله يتطلب أن تمتلك الروح الجسد ، فالجسد له نوازع ومعوقات فرغباته وشهواته تعوق الروح كثيرا وتجذبها لأسفل ، فحتى القرآن يسميها الإخلاد إلى الأرض ! ويذم الذين يخلدون إلى الأرض ، إنما الرحلة إلى الله تطلب روحاً خفيفة غير مثقلة بالشهوات، فالشهوات ظلمة وعبء على النفس ، لذلك الصوفية يأخذون منها القدر الذى يقيم حياتهم فقط ، بينما يرون الاسترسال فى المتع والشهوات هذا من أكبر الموانع التى تمنع الإنسان من التعرف على الله ، وهذا ما عاش فيه النبى صلى الله عليه وسلم ، فكان يمكنه أن يعيش ملكا ، لكنه كان يجوع يوما ويشبع يوما ، وكان يمر شهر أو اثنان ولا يوقد فى بيته نار ، أى لا يطهون الطعام ! إنما كما قالت السيدة عائشة كان فى البيت الأسودان وهما الماء والتمر ! فكان هو وأسرته وزوجاته وبناته مع الدعوة إلى الله والخروج إلى المجتمع وقلب التاريخ . *إذن فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إمام المتصوفين ؟ **بلا شك ، ومن بعده الإمام الغزالى وغيره من المتصوفين كان الرسول بالنسبة لهم المصباح الذى يهديهم إلى طريق التصوف! لكن كل الأديان والعقائد فيها نوع من التصوف يختلف باختلاف الدين والعقيدة؟ الفرق بين التصوف الإسلامى وغيره أن التصوف الإسلامى فيه صفاء النفس وامتلاكها للجسد ليس هدفا ، لكنه مجرد وسيلة والهدف هو الوصول إلى الله أو أن يموت وهو مسافر إلى الله ! كما فى القرآن ففروا إلى الله ، أما أنواع التصوف الأخرى فالتصوف هدف بأن يكون الإنسان روحانياً، فقد يكون روحانياً مائة بالمائة لكن لا يكون له أى حظ أو نصيب فى القرب من الله سبحانه وتعالى ! *ألا يتناقض مفهوم الصوفيين هذا مع ما كان يسلكه الرسول صلى الله عليه وسلم من انه كان يأكل ويشرب ويتزوج النساء ؟ **لكن الصوفية ليس بها ترك النساء والامتناع عن الزواج ، فالصوفى يأكل ويشرب إلى آخره ، لكن لا تملكه الدنيا ولا تتحكم فيه، بل يجب أن يتحرر من هذه الشهوات بل هو الذى يتحكم فيها ، لكن الذى يحدث هو أن الشهوات تتحكم فينا، وهذه نظرية الحرية والعبودية ، فحين أتحرر من شهواتى أكون حرا ، لكن حين أخضع على سبيل المثال إلى أن الكرافت يجب أن تتناسب مع لون البدلة فهذا نوع من العبودية ! أو أن آكل نوعاً معيناً من الطعام حتى استمتع ونفسى تضطرنى إلى هذا ، وقد أحصل عليه بطريق مشروع أو غير مشروع، هذا استعباد، لكن حين أعتلى على هذا فهذا يعنى أن الشهوات لا تمتلكني! *لكن حتى إذا لم تستطع اعتلاء هذه الشهوات فهذا لا يعد إثما بل هذا سلوك عادى للبشر ؟ **لقد أنهيت هذا الاشتباك منذ البداية، فالتصوف ليس المطلوب من جماهير المسلمين، فالمسلم يمكن أن يحتفظ بإسلامه وهو رجل يتلذذ بالشهوات ويستطيب الطعام ، ويريد أن يبنى بيتا أو يركب سيارة هذا كله مشروع، وليس حراما ، لكنه ليس صوفيا ، فالصوفية مرحلة أخرى يلقى فيها الإنسان بكل هذا وراء ظهره فيكون قويا ، فالسير إلى الله يتعرض فيه الإنسان لابتلاءات شديدة جدا ، حتى يسمونها موانع الطريق أو قواطع الطريق ، فإذا لم يكن متحررا من الشهوات كيف سيصمد على هذه الابتلاءات والحرمان المستمر الذى هو شرط السير لله سبحانه وتعالى ؟ *هل اهتمامكم بالصوفية كان وراء الاهتمام بابن رشد وابن عربى وغيرهما ؟ **ابن رشد فيلسوف لكنه ليس صوفيا، أما ابن عربى فهو شيخ أكبر والإمام الغزالى وهو حجة . *لكن ابن عربى وجهت إليه الكثير من الاتهامات **ابن عربى مشكلته انه كان يعبر عن تجربته الصوفية بطرح فكرى مكتوب، وبما أن التجربة الصوفية أوسع بكثير جدا من إطار اللغة ، فبصورة أو أخرى تقع عملية تشويه التجربة ، ومن هنا بدأ الاعتراض . الصوفيون الذين عبروا عن تجاربهم فى السير إلى الله كانت هذه مشكلتهم ، فهذا إيمان ما يجدونه أو ما يكشف لهم ، وهو فوق اللغة بكثير جدا ولا تحتمله اللغة ، حتى أن كثيراً منهم كان يستخدم لغة الرمز ، فيرمز لأمور بألفاظ حسية لكنها ليست معبرة عن المعنى الذى وجده ، فالمعنى فوق هذا اللفظ، لكنه جعله رمزا ، لهذا نجد أن الأدب الصوفى كله رمزى! فبه ذكر ليلى وسلمى والحانة والخمر والدم والسكر ، ومصطلح السكر هو مصطلح رسمى فى الصوفية ! حتى ابن تيميه وهو العدو الأكبر للصوفية فى هذا اعترف وقال إن السكران فى محبة الله أفضل كثيراً من المستيقظ العالم !! *إذا انتقلنا من الصوفية إلى تطوير الخطاب الدينى ألا ترى أن هناك تقصيراً فى هذا المجال ؟ **معك حق. فالخطاب الدينى أصابه شيء كثير من الاضطراب والفوضى ، وعدم المصداقية ! لكن هل الخطاب الدينى هو الوحيد الذى أصابته هذه العلة ، أم أن كل الخطابات لدينا أصابها نفس الشيء ؟ فهل الخطاب الفنى خطاب سليم أو معلول وكذلك الخطاب الثقافى وغيرهما؟.. *أليس غريبا أن تشبه الخطاب الدينى بالخطاب الفنى أو الثقافى ؟ **هذه منظومة متكاملة فى مجتمع وفى أمة، فلا يمكن قبول أننا مضطربون فى الخطاب السياسى والفنى والاجتماعى والأسرى والثقافى ، وفى نفس الوقت ينضبط الخطاب الدينى هذا لا يمكن حدوثه ! فعلى سبيل المثال ، عمارة تميل عن قواعدها ، هل يمكن القول أن أحد الوحدات أو الشقق بها لا يجب أن تميل دون بقية العمارة ؟ *هل تريد القول إذن أن الخطاب الدينى هو انعكاس لما يحدث فى المجتمع ؟ **طبعا هو خطاب من خطابات المجتمع، لكنى أرى أن أول خطاب فى المجتمع يجب أن يعتدل هو الخطاب الدينى ، لأن الخطابات الأخرى تتأثر به ، لكن مع الأسف الشديد هو الآن متأثر بالخطابات الأخرى ، ونحن نرى فوضى الفتاوى ، فهى عبارة عن خطاب دينى يخضع لأضواء القنوات وللأموال التى تدفعها القنوات للناس ! أبواق الفضائيات *لكن هناك من هم أزهريون ونجوم لهذه القنوات ؟ **هذا لأنهم خضعوا لهذا البريق، وفتنة المال والتلألؤ والظهور والبريق الإعلامى ، يريد أن يكون نجما وأن يحصل على أموال ! ولو كان هذا الرجل الذى يظهر هكذا لديه دين أو علم ويعرف شرف العلم لا يقبل هذا أبدا وإن أكل تراباً ! فكيف يقبل أن يبيع علمه لتشتريه قناة ، أو أن يقول ما هو على هوى صاحب القناة ، فلا يصح أن يكون بوقا! *هل تلوم من يطوع علمه أو من يعرض علمه فهناك الكثير من العلماء يقدمون علمهم؟ **أنا أتحدث عن فوضى الفتاوى ، وعن الذى لديه استعداد أن يقول ما يشاءون فى مقابل أن يظهر! *هل تعتقد أن هناك ضغوطا عليهم ؟ **إنها الإغراءات ؟ *لقد قلت إن البعض يقول ما يشاءون فهل هناك من يملى عليهم ؟ **هناك بعض القنوات تريد أن تبث شيئا معينا أو رأيا فى الدين وتروجه للناس، مدفوعة بعوامل سياسية ومذهبية وطائفية ، وليست مدفوعة بنشر الإسلام كإسلام ، هناك أبواق كثيرة جدا وراء هذه القنوات ؟ *إذن تعتقد أن وراءها عوامل سياسية ؟ **ما فى ذلك شك ، فكثير من القنوات وراءها عوامل سياسية قطرية ، فهى تنشر ثقافة قطر، وتنشر وجهة نظر فى التدين لهذا القطر المعين أو هذه الطائفة المعينة ولأنهم يملكون الأموال فهم يريدون نشر هذا المذهب، فكيف سينشرونه ؟ بالقنوات الفضائية التى تعطى من يتحدث فيها آلاف الجنيهات فى الحلقة ، هذا يقبله ضعاف النفوس وليس العلماء ، لكن العالم الحقيقى لا يقبل هذا ! *لكن هؤلاء هم الذين يحتلون الساحة ، وهم الذين يشكلون عقول الناس. **لأنه ليس هناك قناة حقيقية ! *فى كل القنوات ؟ **كل القنوات بلا استثناء لا تريد نشر الإسلام كما هو ! *لماذا ؟ **لأنها أبواق تخضع لسياسات ، والسياسة أحيانا تلبس عباءة الدين ، لهذا يأتون بمن يقبل هذا ! والحقيقة أن من نراهم على هذه القنوات ليسوا بعلماء ! ومن حسن الحظ أن العلماء الحقيقيين غير متعرضين للأضواء ولا يقبلون الأضواء المعاصرة ، لأنهم حين يظهرون سيقدمون العلم الصحيح ، وهم لا يريدون العلم الصحيح لأن هذا من أهدافهم ! لهذا هم لا يذهبون إلى العلماء الحقيقيين! الفتنة الطائفية *هل تعتقد أن هذه الموجة من فوضى الفتاوى كانت وراء اتساع فجوة الفتنة الطائفية فى مصر ؟ **بدون شك . *لماذا ؟ **لأن بعض هذه القنوات قد يكون وراءها مؤامرة وهدف دولى فى تفتيت وحدة مصر ، فيمكن أن تلعب هذا الدور ، وعلى الجانبين هناك قنوات مسيحية تسب فى الإسلام 24 ساعة ، ويتحدث رجل دين مسيحى يشتم الإسلام والقرآن ، فهل هذه قناة تهدف إلى الدين المسيحى أو أنها تهدف إلى إشعال فتنة فى مصر ، حتى المسيحيين أثاروا فتنة بينهم وانقسموا ، فهذا الرجل الذى عاد من أمريكا مكسيموس ليحدث انقساما ونحن منذ ألفى عاما لم نر غير كنيسة واحدة للأقباط! حتى المسلمين قسموا شيعة وسنة ، فهل كنا من قبل نسمع عن شيعة وسنة .. هناك قنوات تخدم مثل هذه المخططات ! *لكن بماذا تفسر الخلافات السنية الشيعية؟ **هذا موضوع سياسى استعمارى بحت يخدم وجهة النظر الاستعمارية الأمريكية، لقد ظهرت هذه القنوات فى هذا الجو! فمن لندن هناك قنوات تبث لشتم الشيعة، وأخرى للسنة ، وهناك قنوات مسيحية لشتم الإسلام، وأنا هنا يجب أن أحيى الدور الرائع الذى يقوم به قداسة البابا شنودة ويشكل أمانا ضد تفتيت الفتنة بين الأقباط والمسلمين والتى هى مستوردة من الخارج ، وهو واع لهذا تماما ، لكن للأسف الشديد أن الكثير من الدهماء فى الأقباط أو المسلمين يبتلعون طعم الفتنة!،وعلى مستوى الصحافة أحيانا ! *إذن كيف نتجاوز هذه المشكلة ؟ **لابد أن يكون هناك إعلام حقيقى واعٍ لما يحدث ، فعلى الرغم من أنى رجل مصرى حتى النخاع ، وحريص على أن تكون مصر هى الرائدة والقائدة فى المنطقة، فمصر كانت ولا تزال مؤهله للقيام بهذا الدور ، لكن لا يواكبها إعلام يمكنها من هذا الدور، لأن إعلامنا فى واد وأهدافنا فى واد آخر! فهل لدينا منتجات إعلامية تربى أبناءنا وتلح عليهم لتربى فيهم القناعة وعدم التكالب وتحارب السفه والتبذير ، لكننا نرى انه قبل رمضان بأيام يظل الكلام على السلع والياميش وغيره ، لقد قلت من قبل أنا مثلا لا أتناول الياميش وأكتفى بالتمر ، ولدى القدرة المالية لو أردت أن أشترى لكن نفسى حتى لا تهفو إليه ، لكنه الترويج للإسراف فى رمضان ، والترويج للأعمال الفنية التى تقتل إرادة الشباب ولا تربى ملكة الاعتناء أو ضبط النفس ، على الرغم من أن فلسفة رمضان هكذا ، فباختصار رمضان هو سجن ! سجن للنفس وحبسها ومنعها من الشهوات وتعويدها على ألا تأكل كثيرا أو تنام كثيرا، وألا تستمتع عبر الحواس بالعيون والأذن كثيرا .. هذا هو هدف رمضان ، لكننا نرى أننا نأكل كثيرا وننام كثيرا وتمتلئ العين بالشهوات من خلال المسلسلات ثم الخيام الرمضانية .. هل هذا هو رمضان ؟ *ليس الإعلام وحده هو من حول المجتمع إلى هذا ؟ **الإعلام هو الذى يبشرنا بكم هائل من المسلسلات ، وهو الذى يسهر الناس ! *لكن هناك من يشكو من زحام المساجد وإغلاق الطرق بسبب صلاة التراويح فالنقيضان موجودان ؟ **من الممكن أنهم يصلون التراويح ويعودون ليكملوا أمام التليفزيون! وهذه هى المشكلة فحتى العبادة أصبحت موضة ! فالفتاة التى تذهب لتصلى هل لأن العبادة هى حافزها؟ على العكس هى تذهب للقاء زميلاتها وتسمع القرآن فتقول لأن هذا الشيخ صوته حلو !! *إذن العبادة لدينا أصبحت موضة ؟ **بالضبط لقد أصبح رمضان وعباداته والتهجد كل هذا أصبح موضة ، وإن شاء الله سيعود كل شيء لما كان عليه لأن هذه هوجة! *بمعنى ؟ **يعود كما كان الناس فيه خاشعة فى المسجد ، والرجال فقط هم الذين يذهبون، ولا توجد ميكرفونات ! *ماذا تعنى بالرجال فقط ؟ **موضة السيدات والفتيات اللاتى يذهبن إلى المسجد الآن! *لكن المسجد للرجل والمرأة ولم يمنع الإسلام المرأة من الصلاة فى المسجد ؟ **لم أقل هذا لكن هل تخرج السيدات والبنات إلى المسجد تعبدا وخشوعا أم لأن المقرئ صوته حلو ، والأطفال يجرون داخل المسجد ! *الله أعلم بالنوايا ؟ **نعم لكن المظاهر المصاحبة تدل على أن النوايا ليست هكذا ، لا مانع أن تذهب تعبدا وخشوعا ! *من الذى يحكم على هذا ؟ **المظهر الذى يبدو فى المسجد ، والنساء اللاتى يثرثرن وكل واحدة تتحدث إلى الأخرى ، فالمسجد ليس هكذا ، لقد أصبحت الصلاة كأنها نزهة ، لكنى أريد ممن تتوجه إلى المسجد أن تكون خاشعة عابدة باكية فى الصلاة ، وليس لمجرد أن جارتها ذهبت ولا يصح ألا تذهب هى . وهل سيداتنا إلى وقت قريب كن كافرات لأنهن لا يتوجهن للمسجد؟ ثم ماذا عن اللائى يمسكن بالمصحف فى الصلاة لقد أصبح كَّتابا وليس صلاة! هن لا يعرفن الخطأ من الصواب ، ويتلقين المعلومات من مشايخ الفضائيات؟ أنا أعلم ، وأعرف أنهن معذورات ، لكن ما يحدث هو هدم للدين عن طريق السياسة! أمهات الكتب *كم فى المائة من أئمة المساجد من خريجى الأزهر ؟ **مائة فى المائة ! *هل تـــرى أنهـــــم يقـــومون بــــدورهم الحقيقى؟ **لا ! *لماذا ؟ **بسبب عوامل كثيرة جدا ، أهمها الجو العام الذى يجعل الإمام لو أراد أن يكون على صواب ، سيصبح غريبا ومنفردا ، لهذا ليست لديه القوة أن يقوم وضعاً منحرفا، أما السبب الآخر هو التعليم فى جامعة الأزهر الذى حدثت فيه نكسة شديدة ونحاول أن نعيد الأمور قدر الإمكان إلى ما كانت عليه! *ما الذى حدث وما الذى تحاول أن تعيد إليه الأمور ؟ **ما تعانيه جامعة الأزهر تعانيه جامعات مصر كلها ، والأزهر ليس بدعة، فعندما تعلمنا كان الأستاذ أستاذا يدرس لمجموعة قليلة ، ولم يكن يقرر مذكرات ليحصل على نقود ! قلما كان يحدث ذلك، وكانت المراجع القديمة فى المكتبات، والأستاذ يشرح! لكن الآن طالب الأزهر لا يعرف أمهات الكتب ويعتمد على المذكرات والملخصات ؟ الطالب أصبح يعتمد على المذكرات طيلة السنوات الأربع ولا يطلع على الكتب. *من الذى سمح بهذا؟ **على مدى الربع قرن الماضى ، وطالب الأزهر تأسيسه يقوم فى المقام الأول على التراث ، وهو البناء الحقيقى لطالب الأزهر ، لكن الآن أصبح تلقيه للعلم يقتصر على المذكرات، والأستاذ حتى غير متفرغ لأن يكتب هذا ، هذه الأجيال تخرجت ضعيفة ، ودرست لطلاب ضعاف ، ودارت العجلة الجهنمية ! وأصبح مستوى الطلاب سيئاً ، وأصبحنا نسمع أصواتاً بلا فائدة ! هذا حدث على مستوى الجامعات المصرية، ناهيك عن إعارات الأساتذة للخليج ، وهو معذورون لأن الدولة لم ترعهم ولم تقدرهم، وفتح الباب لإنشاء عدد كبير من الكليات، وحصل الكثيرون على درجة الدكتوراه، لقد حصرنا مسألة المذكرات ، وأعدنا كتب التراث القديم ، وتعرضنا لهذا لحملة شرسة جدا من الأساتذة، وكان شيخ الأزهر قد وافق مشكورا منذ حوالى ثلاثة أعوام على تقرير طبع كتب التراث كاملة فى كل كلياتنا الأصلية على حساب مشيخة الأزهر وطرحها مجانا على الطلبة ، وهذا ما بدأناه، ونحن نحاول الآن تعويض الأساتذة ، حنى يحصلوا على ما يقترب مما كانوا يحصلون عليه من المذكرات ، وبعضهم كان يحصل على مبالغ لا يمكن تخيلها ، خاصة فى كليات الأقاليم التى يتجاوز أعداد طلابها 15 ألفاً فى العام الواحد! *لقد توقعت أن يحدث هذا فى الكليات العملية؟ **الكليات العملية منضبطة أكثر، ولــــيست كالكــــــليات الإسلامية أو كلية التجارة والحقــــــــوق وأقسام الآداب وغيرها! ولقد وضعنا نظاما، تبدأ الدراسة فيه اعتباراً من التاسعة حتى السابعة مساء، من أجل استيعاب الفصول أكبر عدد داخلها وفى العلوم الأساسية يرتبط الطلاب بكتب التراث وجها لوجه، وعلى الأساتذة أن يتعاملوا مع هذا ، وممنوع على الأساتذة توزيع مذكرات إلا فى المواد الحديثة التى لا تحتاج لكتب التراث! *توزيع كتب التراث هل بدأ تطبيقه بعد؟ **لقد وزعت حتى الصف الرابع هذا العام، أى أنها توزع منذ ثلاث سنوات ، وهذا العام سيكون الرابع ، وبهذا يشهد الصيف القادم إن شاء الله أول دفعة لهؤلاء الطلاب الذين تعلموا تعليما جيدا إلى حد ما ! *إذن نتوقع أن العام القادم سيشهد تخريج دفعة مختلفة من طلبة الأزهر ؟ **ستكون أول دفعة مختلفة كثيرا، وهى التى درست العلم الحقيقى ، والتكوين الحقيقى . من ناحية أخرى حددنا دخول الطلبة بمجموع 65% ، ومن 50-65% أنشأنا لهم معاهد فوق المتوسطة ، بحيث لا يدخل الكليات إلا النوعيات الجيدة ، وكان من قبل أى طالب يحصل على 50% من الثانوية الأزهرية يدخل كلية ، وهذا ما جعل هناك هجوما على المعاهد الأزهرية فى الابتدائى والإعدادى ، ثم قسمنا الدراسة بين طلاب انتساب وانتظام ، والانتساب للمجاميع الأقل، بالإضافة إلى تعليم اللغات الأجنبية، وهذه الدفعة ستتخرج أيضا الصيف القادم ، وسيكون لدينا كل عام مائة خريج أزهرى من كليات أصول الدين واللغة والشريعة يتقنون اللغة الإنجليزية ببرنامج المركز البريطانى ! *كيف ستستفيدون بهم ؟ **سنأخذ منهم البعثات الخارجية ، ومن يتولون الدعوة فى الخارج ! *هل هناك رعاية فكرية لطلبة الأزهر خاصة فى ضوء ما يحيط بهم من تيارات الإخوان والشيعة وغيرها ؟ **لقد تمكنت هذه الحركات من استقطاب بعض الطلاب فى ظل غيبة الأستاذ وحضوره كمعلم ، ولكن لحسن الحظ معظم هؤلاء فى الكليات العملية وليسوا فى الكليات الإسلامية ، ولقد تنبهنا لهذا وحرصنا على أن تدرس المواد التى تتصدى لهذه التيارات، فلابد أن يتخرج الأزهرى ، وهو يعلم أن هذه التيارات مغلوطة ومحسوبة على الإسلام، وأنها تيارات سياسية فى المقام الأول ، وليس تيارات دينية ، ومشروح نقاط الضعف فيها ، ثم لدينا نشاط ثقافى طوال العام يتولى المدينة الجامعية طلاب وطالبات ، وتعقد محاضرة أسبوعية حول الفكر القديم للأزهر الذى يتصدى للوهابية والسلفية للإخوان ! *لكن هذه الجماعات نشاطها أقوى مما تقدمه الجامعة ؟ **لا نشاطهم بدأ ينحسر وأصبحوا محاصرين سواء على مستوى الأساتذة وهم قلة أو على مستوى الطلاب والطالبات ، لأن مذاهبهم مدعومة بالمال، فالطلاب لا يقتنعون بها فكريا إنما الطالب يلقن ويحصل على المال أو يعطونه هاتفاً أو ملابس ، فما أسهل انه عندما ينبه ينتبه! *هل هناك نتائج إيجابية لمحاصرتهم؟ **نعم لقد كانت كلية الدعوة حمى مباح لهم ، لكنهم الآن يعدون على أصابع اليد الواحدة ، لأن الفكر يحتاج إلى فكر ، وهذا ما نذكره دائما عن الإعلام ، إذا أردنا محاربة فكرة لا نقتنع بها علينا بالفكرة المضادة ، لكن غير هذا لا يمكن! السنة والشيعة *لقد بدأ الشيخ شلتوت فكرة التوفيق بين المذاهب هل مازال لهذه الفكرة وجود ؟ **الأزهر ظلت به فكرة التوفيق بين الشيعة والسنة ولايزال الأزهر يدافع عن هذا الاتجاه ، لكن له اعتراض على التبشير بالشيعة فى بلاد السنة ، والدعم المادى الكبير! *وما هى مظاهر هذا الدعم ؟ **هناك من يحصلون على مال وعلى كتب مجانية ومساكن ، وحتى أننا سمعنا أنهم يريدون مسجدا خاصا بهم . *هل هذا داخل الأزهر ؟ **لا ليس لدينا هذا التيار فى داخل الأزهر، لأننا ندرس التشيع كفرقة من الفرق، ونحن نؤمن أن الشيعة والسنة هما جناحا الأمة الإسلامية ، ونؤمن بالتقريب والاتصال سويا ، والالتقاء ونحترم المذهب الشيعى وهم يحترمون المذهب السنى ، ولكن نرفض تماما المسألة الحركية ، وأن يتحول التشيع إلى حركة فى مصر إلى جوار الأزهر الذى هو المرجعية الأولى والأخيرة والكبرى للعالم السنى فى كل الأرض ، فهذا المسجد وهذه الجامعة هما مرجعية أهل السنة !لهذا نحن نرفض محاولات السياسيين الذين يختطفون هذه المسألة لتكوين قواعد شيعية بين الشباب نحن نرفض هذا تماما ونحاربه أيضاً بكل الطرق. *هل هى مسألة دينية أم سياسية فى رأيكم؟ **هى قضية سياسية ، ولو كانت قضية دينية لا يسعنا إلا التقريب فقط، لكن أن ندعو إلى المذهب السنى فى قلب طهران هذا مرفوض ولا أقبله على نفسى ! وفى ذات الوقت أرفض تماما أن يأتى أى شيعى إلى مصر ليدعو إلى المذهب الشيعى ، لأن هذا رجل يحقق خطة سياسية استعمارية ، فإذا ما وجدت قاعدة عريضة من الشيعة ستكون حربا بين الشيعة والسنة ! *تريد القول أن هناك طرفا ثالثا ؟ **نعم هناك طرف ثالث ، والأزهر يقف له بالمرصاد سواء بالبرامج أو التعليم أو المناهج! *فى وقت من الأوقات التحق خريجو الجامعات المصرية بالأزهر وحصلوا على شهادته فما هو تقييمكم للتجربة ؟ **هذه تجربة فاشلة ونوعية خاطئة ، والحقيقة أن هذا لم يفتح لهم سوى سنوات قليلة جدا ، لأن الأزهر واجه قلة فى المعاهد الأزهرية ، والجامعة توسعت ، فإذا ما اقتصرت الجامعة فى تمويلها على الطالب الأزهرى ستتأثر ، لهذا اضطروا لفتح الباب أمام طلاب الثانوية العامة ! *أنا أقصد خريجى الجامعات ؟ **هناك خريجو جامعات أدخلوهم الأزهر لحمايتهم من الدخول فى التيارات المتطرفة، وما حدث أن هذه كانت هى الفترة التى يعيش فيها الأزهر على المذكرات ، فدخلوا وأصبحوا هم الأكبر تأثيرا لأنهم لم يدرسوا دراسة أزهرية حقيقية ، لكننا الآن نشترط ألا نلحق غير الطالب الحاصل على الثانوية الأزهرية ، وكانت آخر تجربة لنا فى هذا الصدد أن تقدم لنا 1200 طالب وطالبة نجح منهم 20 لهذا ينص القانون الجديد ألا يلتحق بكليات اللغة والشريعة وأصول الدين والدعوة إلا من كانت شهادته مسبوقة بثانوية أزهرية ليكون محصلا للخلفية العلمية ! *وماذا عن تطوير أستاذ الأزهر ؟ **نحن أول جامعة فى مصر كلها أخذت بنظام الجودة والاعتماد ، ونحن الآن نقوم بتدريب مستمر وتحسين للحالة العلمية للأستاذ سواء فى العلوم القديمة أو المعاصرة، فلقد أصبح شرطا لتعيين المعيد أن يجيد اللغة الإنجليزية ، وشرط ترقية الطالب من مدرس لأستاذ مساعد أن يكون حاصلا على عدة دورات فى علوم التراث ، إضافة إلى علوم الإحصاء أو الإنجليزية أو الفرنسية. أيضا يشترط أن يكون تعيين عميد الكلية بهذه الشروط أيضا ، والترقيات والتسجيل فى الدراسات العليا ، كل هذا لا يتاح إلا بعد انطباق هذه الشروط ، نحن نحاول معالجة وضع كان مترديا ! *ألا ترى أن دور الأزهر تراجع بالنسبة للدول الأفريقية و الإسلامية؟ **نعم تراجع بسبب أن الأزهر لا يملك قوة مادية تدعمه لينتشر ، فالأزهر مؤهل ولكن هذا الانتشار يحتاج إلى دعم مادى! *بمعنى ؟ **بمعنى انه يحتاج أموالاً وتخطيطاً وأجهزة تدعمه وتنظم له ، والسفارات تلعب دوراً فى هذا ! *هل مطلوب دعم جهات معينة أم ماذا؟ **نحتاج جهة تمولنا ! فهل هناك خطة من الدولة أو وزارة الخارجية لكيفية نشر الأزهر فى الخارج ، وترسل الأموال لتطبيقها ؟ *لكن هذا التراجع له انعكاسات سياسية، فالسودان على سبيل المثال من أسباب انقسامه أن الأزهر ترك الساحة لجماعات التبشير ؟ **لأن الأموال التى تدعم الحركة التبشيرية لا يتخيلها أحد ، فهناك أموال مرصودة وموقوفة فى الغرب لا تأكلها النار، وكفى الفاتيكان وحده لكثلكة العالم، وشركات ضخمة ترصد أموالاً لهذا ! فهل لدينا مستثمر واحد رصد جنيها للأزهر فى مصر أو فى العالم العربى لنشر دعوة الأزهر خارج مصر ؟ بل على العكس هم فى الوطن العربى يحاربون الأزهر ؟ *لماذا ؟ **لأنهم يريدون سحب البساط من تحت قدميه ليكونوا مرجعية المسلمين فى كثير من البلدان العربية ، وطبعا هذا لن يحدث لأن كل بضاعتهم المال والقدرة المالية ، ونحن بضاعتنا تاريخ ألف سنة والمؤسسة التى يصنعها التاريخ غير المؤسسة التى يصنعها المال ! *ولماذا لا يكون طلبة الأزهر من الدول الآسيوية والأفريقية سفراء للأزهر ؟ **أنت تتحدثين عن حركة فى مقابل حركة تبشيرية منظمة ، تحتاج لكثير من الأموال ، لكن الطالب الفقير الذى يأتى للدراسة لا يملك شيئا ، لكن إذا أردنا فعلينا وضع خطة ، وإمكانات لتنفيذ مثل هذه الخطة وهذا مفقود تماما فنحن نعيش الفعل ورد الفعل ، فعلى سبيل المثال لدينا قنوات فضائية بالمئات كلها هزل ،لكن إذا ما أردنا عمل قناة فضائية للأزهر لن نجد من يدعم ! *هل طلبتم عمل قناة فضائية ؟ **فتحنا الباب وقلنا نريد ! *هل كنت تتوقع أن يأتى ممولون ؟ **طبعا كتمويل فقط وتترك لنا المادة والعلم والبرامج ، لكن كل من يأتى يريد أن يأخذ سمعة الأزهر وفى ذات الوقت يريد ترويج أفكاره هو ! *لمن هنا حدث الخلاف بين الأزهر وبين الشيخ خالد الجندى ؟ **لقد عرض فى مجمع البحوث الإسلامية أن تكون هذه القناة معبرة عن الأزهر لكننا فوجئنا أن وراء هذه القناة من هم من خارج مصر وتوجههم غير توجه الأزهر، فكان الأزهر يقظا ، وأعلن انه متبرئ من هذه القناة ! *نحن نرى أفكاراً رجعية وأفكاراً متطرفة بين المسلمين فكيف يمكن أن يدعم الأزهر الفكر المستنير فى المجتمع الإسلامى؟ **جامعة الأزهر هى الحارس على وسطية الإسلام ، ونحن لا نقول رجعية ومثل هذا الكلام ، لكن إما أن يقدم الإسلام كما هو بوسطيته واحترامه للآخر حتى وإن اختلف معه ، وإما أن يقدم فكراً مغلقاً أقرب إلى التطرف وإلى الشذوذ عن الإسلام نفسه ، والجامعة الوحيدة التى تحرص على تكوين طلابها تكوينا وسطيا هى جامعة الأزهر ، لكنها ليست منتمية إلى مذهب أو أجندة سياسية تنشر الإسلام من خلالها كما تعمل جماعات كثيرة ، ونحن لا نميل لنشر مذهب معين ، ولسنا طائفة أو جماعة حركية . كل هذا نتبرأ منه نحن أجندتنا الإسلام والعلم هذا هو الذى يربطنا بالآخرين ، فلسنا حركيين وليست لنا أجندة سياسية ، لا ننتظر القفز على الحكم أو نهدد مصر أو السعودية أو إيران ، لكن الكثير من الجامعات فيها هذا، لهذا كثيرا ما تفشل فى تقديم الإسلام الصحيح! |