المروءة والفتوة
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " حسب المؤمن دينه ، وكرمه تقواه ، ومروءته عقله " . ويروى نحو هذا من كلام عمر أيضاً.
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أنه قال لرجل من ثقيف : " ما المروءة قال الصلاح في الدين ، وإصلاح المعيشة ، وسخاء النفس ، وصلة الرحم. فقال عليه السلام : " هكذا هي عندنا في حكمة آل داود " .
تذاكروا المروءة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأكثروا فيها ، فقال : " أما مروءتنا فأن نعفو عمن ظلمنا ، ونعطى من حرمنا ، ونصل من قطعنا " .
قال منصورالفقيه :
أعلن وهبٌ كـرمـه
في وصله من صرمه
وعفوه عن كل من
أسخطه أو ظلمه
وبرّه بنـفـسـه
وماله من حرمه
فما يراه معـظـمٌ
للحق إلاّ أعظمه
أبقى عليه اللّه ما
أبقاه فينا نعـمـه
وزاد فيها عـنـده
وحاطه وسلمـه
من حديث عطاء عن ابن عباس ، قال : رفع إلى عمر بن الخطاب رجل في جرم ، فأراد أن يعاقبه ، فأخبر أن له مروءة ، فقال : استوهبوه من صاحبه.
سئل عبد الله بن عمر ، عن المروءة والكرم والنجدة. فقال : أما المروءة : فحفظ الرجل نفسه ، وإحرازه دينه ، وحسن قيامه بصنعته ، وحسن المنازعة ، وإفشاء السلام ، وأما الكرم : فالتبرع بالمعروف ، والإعطاء قبل السؤال ، والإطعام في المحل. وأما النجدة : فالذب عن الجار ، والصبر في المواطن ، والإقدام على الكريهة.
وفي رواية أخرى ، أن معاوية قال في مجلسه يوماً لمن حضره : من يخبرني عن المروءة والجود والنجدة ? فقال عبد اللّه بن هاشم بن عتبة ، وكان بعده عفوه عنه يحضر مجلسه : قال : يا أمير المؤمنين! أما المروءة فالصلاح في الدين ، والإصلاح في المال ، والمحاماة عن الجار. وأما النجدة فالجرأة على الإقدام ، والصبر عند ازورار الأقدام.
قال طلحة بن عبيد اللّه : جلوس الرجل ببابه من المروءة ، وليس من المروءة حمل الكيس في الكم.
سئل الأحنف عن المروءة ، فقال : التفقه في الدين ، وبرّ الوالدين ، والصبر على النوائب.
ويروى عن الأحنف أيضاً أنه قال : لا مروءة لكذوب ، ولا أخ لملول ، ولا سؤدد لسيئ الخلق.
سئل ابن شهاب الزّهري عن المروءة ، فقال : اجتناب الريب ، وإصلاح المال ، والقيام بحوائج الأهل.
سئل إباس بن معاوية عن المروءة ، فقال : أما حيث تعرف فالتقوى ، وأما حيث لا تعرف فاللّباس.
وقال الزهري أيضاً : الفصاحة من المروءة.
قال إبراهيم النخعى : ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق.
قال غيره : من كما المروءة أن تصون عرضك ، وتكرم إخوانك ، وتقيل في منزلك.
قال منصور الفقيه :
من فارق الصبرّ والمرو
ءة أمكن من نفسه عدوّه
قال ربيعة بن عبد الرحمن : للسفر مروءة ، وللحضر مروءة. فالمروءة في السفر : بذل الزاد ، وقلة الخلاف على الأصحاب ، وكثرة المزاح في غير مساخط اللّه. المروءة في الحضر : إدمان الاختلاف إلى المساجد ، وتلاوة القرآن ، وكثرة الإخوان في اللّه عزّ وجلّ.
وفي رواية أخرى عن ربيعة أنه قال : المروءة ست خصال : ثلاث في الحضر ، وثلاث في السفر ، فأما التي في السفر : فبذل الزاد ، وحسن الخلق ، ومداعبة الرفيق. وأما التي في الحضر ، فتلاوة القرآن ، ولزوم المساجد ، وعفاف الفرج.
قيل لبعض الحكماء : من يجب لذى المروءة إخفاء نفسه وإظهارها ? قال : على قدر ما يرى من نفاق المروءة وكسادها.
كان يقال : صن عقلك بالحلم ، ومروءتك بالعفاف ، وبجدتك بترك الحياء ، وجهدك بالإجمال في الطب.
أخبرنا عيسى بن سعيد ، حدثنا مقسم ، حدثنا أبو بكر محمد بن حمدان ،حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد اللّه بن العباس بن عثمان بن شافع بن السّائب ، عن عبد يزيد بن هشام بن عبد المطلب بن عبد مناف ، قال : حدثني عمي عن إبراهيم بن محمد بن العباس ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، وقد سئل عن المروءة ماهي ? فقال : الأنصاف من نفسك ، والتفضل على غيرك ، ألم تسمع قول اللّه تعالى " إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان " لاتتمّ المروءة إلاّ بهما ، العدل هو الإنصاف ، والإحسان التفضل.
روى عن الفضيل بن عياض رحمة الله ، أنه سئل عن الرجل الكامل التام المروءة فقال : الكامل من برّ والديه ، ووصل رحمه ، وأكرم إخوانه ، وحسن خلقه ، وأحرز دينه ، وأصلح ماله ، وأنفق من فضله ، وحسن لسانه ، ولزم بيته.
قال الشاعر :
إذا الفتى جمع المروءة والتقـى
وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل
قال رجل من بني قريع :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً
فمطلبها كهلا علـيه شـديد
قال جعفر بن محمد : لا هين لمن لا مروءة له.
قال أحمد بن العدل : زعموا أن الأحنف بن قيس لم يسمع له شعرٌ غير هذين البيتين ، وهما :
فلو مدّ سروى بمال كثير
لجدت وكنت له بـاذلا
فإنّ المروءة لا تستطاع
إذا لم يكن مالها فاضلا
وقال آخر :
رزفت لباً ولم أرزق مروءته
وما المروءة إلا كثرة المال
إذا أردت مساماة تقعـدّنـي
عما ينوّه باسمى رفةالحال
وقال منصور الفقيه :
كلّ من فارق المروءة عاشا
ونمـا وفـره وزاد رياشـا
وأخو الفضل والمروءة والدّي
ن مقلٌ أموره تـتـلاشـى
وقال سفيان الثورى : من لم يحسن يتقرّا.
ذكرت الفتوة عند سفيان رحمه اللّه ، فقال : ليست بالفسق ولا الفجور ،ولكن الفتوة كما قال جعفر بن محمد : طعام موضوع ، وحجابٌ مرفوع ، ونائل مبذول ، وبشر مقبول ، وعفاف معروف ، وأذى مكفوف.
قال محمد بن داود : من كان ظريفاً فليكن عفيفاً ، وأنشد لا بن هرمة :
ولرب ليلة لذة قد نلتهـا
وحرامها بحلالها مدفوع
وقال صريع الغواني :
وما ذمى الأيام أن ليست حامداً
لعهد ليلليّ التي سلفت قبـل
ألا رب يومٍ صادق العيش نلته
بها ونداماى العفافةوالبـذل
وقال منصور الفقيه :
فضل التقى أفضل من
فضل اللّسان والحسب
إذا هما لم يجـمـعـا
إلى العفـاف والأدب
وقال آخر :
وليس فتى مـن راح واغـتـدى
لشرب صبوح أو لشرب غبـوق
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى
لضرّ عدوّ أو لـنـفـعصـديق
وقال جحظة :
ألا يأهل بـغـداد جـمـيعـاً
عصيتم في المروءة من براكم
تذمون الزمان بـغـير جـرمٍ
وما بزمانكم عيبٌ سـواكـم