محمد فتحي
عدد الرسائل : 9 العمر : 46 السٌّمعَة : 0 نقاط : 0 تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: لمحة مشرقة بهية عن سيدي محمد بن عبد الكبير الكتاني قدس سره الإثنين 8 سبتمبر 2008 - 11:54 | |
| بقلم: الدكتور رشيد بوطربوش علماء المغرب ومحاربة الاستبداد:
لقد قاد علماء المغرب الأقصى محاولات كثيرة للإصلاح السياسي، وجاهدوا من أجل إعطاء الأمة ضمانات دستورية أوسع، تستطيع بموجبها مراقبة السلطان، والنصح له، وعزله إن دعت الضرورة إلى ذلك. وكان سكان المغرب يفزعون إلى علمائهم كلما ألم بالأمة أمر، ونزل بها نازل. ففي الوقت الذي كانت فرنسا تكتسح أراضي الشاوية في يناير 1908، وقام نزاع على الملك بين الأخوين عبد الحفيظ وعبد العزيز، اجتمع سكان فاس إلى علمائها يستفتونهم في شأن خلع السلطان عبد العزيز، والبيعة لأخيه. وذكروا موجبات الخلع من فرض للضرائب المرهقة بدل الصدقات الشرعية، وإنشاء بنك يتعامل بالربا والسماح ببسط النفوذ الأجنبي على المغرب. وفيما يلي أهم ما جاء في نص هذا السؤال التاريخي: "الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله الأبرار وصحابته المنتخبين الأخيار. سادتنا علماء فاس كافة، سلام عليكم ورحمة الله. وبعد، فلا يخفاكم ما حل بهذا القطر المغربي من احتلال بعض الأجانب جل نواحيه كتوات وفجيج وعيون بني مظهر... موضعا بعد آخر احتلالا نشأ عن اختلال الأحكام وتقاعد الولاة عن الاستعداد وموالاتهم لبعض أجناس الأجانب حتى عقدوا معهم شروطا تؤدي إلى إدخال المسلمين تحت حكمهم، وبسط يد التصرف لهم في سائر القرى والأمصار بما تسبب عنه من إسقاط الأحكام الشرعية كإبدال الزكاة بالترتيب وإحداث البنك المؤدي إلى إدخال الربا... واستلاف الأموال العظيمة من الأجانب وصرفها في غير مصالحها زيادة على خلاء بيت مال المسلمين. وإنزال البوليس ببعض المراسي وسلب السلاح من يد كل مسلم... وتجهيز جيش وتوجيهه لمقاتلة قبيلة الشاوية إعانة لجيش الاحتلال... حتى تحققت الرعية بعجز أميرها القائم بأمورها عجزا كليا ففرت منه القلوب وبقي الناس بسبب ذلك في سائر المدن والبوادي فوضى يأكل بعضهم بعضا... فما هو جوابكم عن هذا الداء العضال وما كيفية التخلص منه مع تحقق الاضمحلال. وكيف إن دام الحال على ذلك، وبقي الأمير منهمكا فيما هنالك، وهل يجوز خلعه مع تحقيق هذا كله أم لا. أجيبونا بما يخلص ربقتنا وربقتكم من أيدي بعض أجناس الأجانب مأجورين، والسلام. في ثامن وعشرين ذي القعدة الحرام عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف"(1). وقد ذيلت هذه الرسالة بتوقيع خمسة وعشرين شخصا من كبراء أهل فاس ومن ممثلي "حوماتها"(2). انتخبهم أهل فاس للتحدث بلسانهم، والبحث عن سبل خلاصهم. كما صدرت وثيقة باسم أكثر من مائة شخص من رجالات هذه الحاضرة بنفس التاريخ أعلاه تشهد على عبد العزيز بما ارتكب من أخطاء موجبة لعزله، قدمت إلى العلماء. وما لبث جوابهم أن صدر مبتدئا بحمد الله والثناء عليه، مستحضرا للسؤال، معيدا له، حتى قال: "فالجواب والله الموفق للصواب، حيث ثبت ما ذكر فيجب عزله ـ أي عبد العزيز ـ وتولية غيره ممن يقوم بأمور المسلمين. ينفذ قوله وفعله. لكون إمامته لم تجر على القواعد الشرعية بل ولا على الضوابط المرعية، لكون الإمام يعتبر فيه ما إن تقاعد عنه خلع وعن الإمامة العظمى دفع"(3). مستشهدين في هذا كله بأقوال علماء الأمة في جواز خلع أمثاله، مذيلين جوابهم بتوقيعاتهم، وهم سبعة عشر عالما نذكر منهم: محمد بن رشيد العراقي ومحمد بن عبد الكبير الكتاني وأحمد بن المواز ومحمد الحفيد بن محمد الشامي والطاهر بن محمد اليازغي وغيرهم، رحمهم الله تعالى. كما حررت وثيقة منفصلة فيها خلع الأمير عبد العزيز. وقد خط وثيقة البيعة الحفيظية الفقيه المطلع أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن المواز(4) بصيغة تقليدية جامدة. الشيخ الكتاني واشتراطه على السلطان:
لم ترق للشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني البيعة التي خطت، فقام في الناس خطيبا، وأعلن أن لا فائدة ترجى من البيعة الجديدة ما لم تضبطها ضوابط، وتحكمها شروط تعطي للرعية حق الرقابة. ثم تلا عليهم مقترحاته فأخذ الجميع بها وألحقت بنص البيعة بنودا ملزمة، ووقع الناس عليها بإجماع. وهذه أهم الشروط المضافة كما جاءت في ترجمة الشيخ الشهيد وغيرها: 1) الحكم بالعدل واتباع سياسة الحلم والفضل. 2) رفع ما أضر بالأمة من الشروط الحادثة في معاهدة الجزيرة الخضراء التي لم توافق الأمة عليها، ولا سلمتها هذه، ولا رضيت بأمانة من كان يباشرها. 3) إرجاع الجهات المأخوذة من الحدود المغربية، وإخراج المحتلين من الثغرين اللذين احتلهما، وتطهير المغرب من دنس الحماية. 4) عدم استشارة الأجانب في أمور الأمة. 5) إذا دعت الضرورة إلى اتحاد أو تعاضد فليكن مع إخواننا من آل عثمان وأمثالهم من بقية الممالك الإسلامية المستقلة. 6) إذا عرض ما يوجب مفاوضة مع الأجانب في أمور سلمية أو تجارية فلا يبرم أمرا منها إلا بعد الصدع به للأمة حتى يقع الرضى منها بما لا يقدح في دينها ولا في عوائدها ولا في استقلال سلطانها(5). 7) اتخاذ وسائل الاستعداد للمدافعة عن البلاد والعباد، ورفع ضرب المكوس، والذب عن حرمات الرعية ودمائهم وأموالهم وأعراضهم وصيانة دينهم وحياطة حقوقهم. 8) تجديد معالم الإسلام وشعائره بزيادة نشر العلم وتقويم الوظائف والمساجد وإجراء الأحباس وانتخاب أهل الصلاح والمروءة والورع للمناصب الدينية. 9) كف العمال عن التدخل في الخطط الشرعية [ حفاظا على استقلال القضاء والفتوى ] وإبعاد الظالمين وإخساء المفترين والواشين(6). الصراع بين المثقف والسلطة في دولة العض:
تلقى السلطان الجديد هذه البيعة في السابع من يونيو عام 1908. وكان قد استقبل بمكناس وفدا من كبار فقهاء فاس لهذا الغرض بعد أن أخر دخولهم عليه أياما. فلما مثلوا بين يديه استنكر الشروط الملحقة استنكارا شديدا، وحمل على الوفد حملة شعواء، واعتبر الاشتراط عليه حطا من قدره. فما كان منهم إلا التملص وإلقاء التبعة على الشيخ الكتاني الذي ألح في تضمين هذه الشروط نص البيعة(7). وكان هذا مبتدأ خلاف الحاكم والعالم. وزاد في خصام الرجلين رفض الكتاني قتال عبد العزيز وأتباعه. وتورعه عن ضرب المسلمين بالمسلمين، زيادة على استنكاره ما قام به السلطان عبد الحفيظ من اعتقال لأنصار السلطان المخلوع بمكناس، والتنكيل بهم، واستصفاء أموالهم، ورفض شفاعته فيهم. وقد طلب الكتاني من السلطان مرارا تطبيق شروط البيعة، وراسله في ذلك مراسلات كثيرة، وحذره والأمة من مخاطر تردي المغرب في مهاوي الاستعمار. كما أفتى بوجوب مجاهدة المستعمر، ودعا إلى سد طريق زعير على الجيش الفرنسي بقوة السلاح، وأهدر دم الخونة واعتبر قتلهم جهادا أكبر(8). وقد أخذ الشيخ محمد على السلطان عبد الحفيظ أمورا كثيرة نذكر منها: - تصريح عبد الحفيظ بتمذهبه بمذهب الظاهرية في مسألة الزيادة على الأربع في التزوج. - إنكار الملك حياة الأنبياء في قبورهم وطعنه في التصوف والصوفية. - استعمال الملك ما حرم الله من أواني الذهب وحمالات الحرير. - سماح السلطان بفتح أماكن اللهو والبغي والخمر... ومن جليل ما جرى بين الرجلين من جدال، ما وقع بينهما في مجلس تكلم فيه السلطان عبد الحفيظ فحمل على الصوفية، وسفه أفكارهم، وطعن في حلقات الذكر وما يصاحبها من رقص. وكان الكتاني حاضرا فرد عليه، وقال: "لا يجب أن تنكر الرقص وحده، بل الواجب أن تقوم الآن فتبدأ بمجانات (9) الذهب وظروف النشوى (10) ومجادل الحرير (11) فتزيلها [وكان بيد السلطان حك نشوى من الذهب وعليه مجانة ذهبية وحمالة حرير] ثم نخرج، فلا نمر بطريقنا على محل من محال البغي ولا مخمرة إلا سددناها، ثم لا نمر على صاحب دكان لا يعرف كيف يبيع ويشتري إلا أقمناه، فإذا وصلنا للزوايا بحثنا في بدعهم ومناكرهم كذلك. وأما إغضاء الطرف، وإحداث التوجيهات لكل محرم ومكروه إلا التصوف والصوفية، فتفرقة من غير مفرق، وتخصيص بدون مخصص" (12). فقام السلطان غاضبا ولم يعقب، وخرج الشيخ ساخطا. | |
|
محمد فتحي
عدد الرسائل : 9 العمر : 46 السٌّمعَة : 0 نقاط : 0 تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: رد: لمحة مشرقة بهية عن سيدي محمد بن عبد الكبير الكتاني قدس سره الإثنين 8 سبتمبر 2008 - 11:58 | |
| محنة الكتاني العالم الناصح:
إن العلاقة بين الكتاني وعبد الحفيظ تدهورت كثيرا بعد الذي حدث بينهما. حتى قرر الشيخ الخروج من فاس، والانعزال في البادية، والاشتغال بنفسه عن الخلق، وكانت وجهته قبيلة آيت يوسي وذلك صبيحة الخميس 24 صفر عام 1327 هجرية. لكن خبر خروجه وصل إلى السلطان فخوّفه بعض بطانته تأليب الشيخ الناس عليه. فأرسل في أثره فرقة عسكرية ألقت القبض عليه. ومنذ هذه اللحظة بدأت محنة آل الكتاني. وهذه أبرز ملامحها ومراحلها:
- حمل آل الكتاني في طريق العودة إلى فاس على بغال بحلاسات فقط ـ ويعرف أهل البدو جيدا معنى هذه الممارسة ـ ووضعت الأغلال والسلاسل في أعناقهم وأرجلهم، واعتقلت نساؤهم في آخر الركب. - دخل الركب مدينة فاس عشية الثلاثاء متم صفر 1327 على الحال التي ذكرنا، فاعترضتهم جماهير من الغوغاء، وقناصل الدول وأفراد الجاليات الأجنبية متشفين مستهزئين، والشيخ محمد يردد مقالة الصحابي خبيب بن عدي :
ولست أبالي حين أقتل مسلمـا *** على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشـــأ *** يبـارك على أوصـال شلو ممزع
- عقدت مناظرة بين الكتاني وبين السلطان يعضده جملة من العلماء دامت نصف ساعة، صدر بعدها قرار اعتقاله مع والده وشقيقه وابنه، واعتقال نسائهم أيضا مع مصادرة حليهن. - إغلاق فروع الزاوية الكتانية بالمغرب كله والقبض على أنصارها والاستيلاء على أموالهم، وأملاكهم. - قضاء آل الكتاني اليومين الأولين في سجنهم دون فراش ولا غطاء ولا أكل ولا شراب. ثم كانت قاصمة الظهر عشية السبت سابع عشر ربيع الأول، وفيها أمر السلطان عبد الحفيظ بجلد الشيخ ألفي جلدة في ساحة سجنه بقصر أبي الخصيصات قرب والده وولده وشقيقه. فنفذ فيه ربع العدد المذكور. وكان رحمه الله يردد أثناء الضرب " اللهم إن كان هذا في رضاك فزدني منه"[13]. ثم لم يلبث الشيخ إلا قليلا حتى انتقل إلى ربه ـ متأثرا بما لحقه ـ بعد أن نطق باسم الله المفرد بصوت عظيم صبيحة يوم الثلاثاء 13 ربيع الثاني من نفس السنة. وأخفي خبر وفاته عن الناس، ودفن بتكتم شديد، ثم طمس قبره حتى لا يبقى للجريمة أثر. وقد قال في نعيه المؤرخ القاضي أبو محمد عبد القادر بن قاسم الرجراجي الدكالي المراكشي:" وبموته انفتحت أبواب الهموم والغموم على المغرب واستولت اليد العادية على مدنه"([14]). أما نهاية غريمه عبد الحفيظ فمعروفة. فقد وقّع على وثيقة الحماية وأجبر بعدها بأربعة أشهر وسبعة وعشرين يوما فقط (11 غشت 1912) على التنازل عن العرش. وظل بعدها متنقلا بين طنجة والحجاز وبعض البلاد العربية. كما زار إسبانيا وفرنسا التي توفي بها يوم 14 أبريل 1937. وثبت أن عبد الحفيظ ندم على فعلته مع الشيخ وعلى تسليمه المغرب لفرنسا، وقام بإعلان توبته وتجديد إيمانه بين يدي الشيخ محمد بن جعفر الكتاني أمام القبر النبوي [15]. وأخبرني صديقي الأستاذ الفاضل، عبد المنعم بن عبد العزيز بن الصديق، أن السلطان عبد الحفيظ سعى إلى لقاء جده سيدي محمد بن الصديق مرات كثيرة. فأبى لقاءه، وما قبل توبته. وخبر ذلك مبسوط في "سبحة العقيق"، وهو مخطوط موجود بالخزانة العامة بالرباط. وقد أورد ابن زيدان في إتحافه نص البيعة الحفيظية بعد أن قدم لها قائلا: "وقد أعلن بخلعه ـ أي عبد العزيز ـ بفاس يوم الجمعة ثاني وعشرين قعدة الحرام عام خمسة وعشرين بعد استفتاء العلماء في شأنه، وإفتائهم بوجوب عزله ليقضي الله أمرا كان مفعولا... وكان ذلك على شروط مندمجة في عقد البيعة"([16]) ولولا خشية الإطالة لأثبتّ لفظها لأهميتها. وكل من رجع إلى نص البيعة يلاحظ حسا وطنيا صادقا، وغيرة دينية واضحة، رغم إغراق أسلوبها في التقليد والجمود، وعدم مسايرته لفظا وروحا لواقع الأمة في تلك الفترة. كما يلاحظ الطريقة المهذبة التي ألحق بها ابن المواز شروط الكتاني، هذه الشروط التي لولا وجودها لاعتبر هذا النص من مخلفات عصور الانحطاط البغيضة. وكان من النتائج المباشرة لهذه البيعة شيوع فكرة المطالبة بدستور يضبط سلوكات الحاكم تجاه المحكومين بين العلماء والمثقفين وبين العامة أيضا. بل إن الصوفية أضافوا إلى أذكارهم وأناشيدهم " دستوريا الله، دستوريا رسول الله " 17] حتى تبلورت هذه المطالبة إلى نشر مشروع دستور 1908 في جريدة "لسان المغرب" الصادرة في طنجة، والتي كان يملكها اللبناني فرج الله نمور. ولكونه غير متجنس بالجنسية المغربية، فقد كان في مأمن من بطش السلطة وسيطرتها، وساعد ذلك المطالبين بالدستور على نشر آرائهم بكل حرية في العاصمة الدبلوماسية آنذاك، وربط مطلبهم هذا بالوفاء بشروط البيعة الحفيظية. وقد أكد عبد الكريم غلاب أن الذين كانوا يقفون وراء هذا المشروع هم نفسهم الذين وقّعوا على البيعة الحفيظية [18]. ونشر نص الدستور في أربعة أعداد من "لسان المغرب" مؤرخة في 11-18-25 أكتوبر وأول نونبر 1908 بعد خمسة أشهر من تولي عبد الحفيظ. وهذا ملخص لمعالمه الأساسية:
1 - يتكون مشروع الدستور من قانون أساسي وقانون انتخاب وقانون داخلي ـ ينظم شؤون منتدى الشورى ـ وقانون جنائي. وكل هذه القوانين تمثل ضمانات تضبط سير الدستور. 2 - يضم الفصل الأول تحديد اسم الدولة والتنبيه على استقلالها وتسمية عاصمتها ودينها الإسلامي وحقوق الملك فيها. 3 - يحدد الدستور مفهومه للمواطن وحقوقه الخاصة والعامة، ويعلن الحريات العامة في العمل والتعبير والكتابة والطبع، وإلزامية التعليم الابتدائي، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، كما يمنع تولي الأميين للوظائف العامة، ويؤمن المواطنين على أموالهم، ويضمن حرية تنقلهم، ويمنع الجلد والتعذيب والسخرة، ويجعل المصادقة على أحكام الإعدام والأشغال الشاقة من اختصاص منتدى الشورى. كما يمنع تعذيب الأسرى أو نهب القبائل الثائرة. 4 - تنظيم حقوق وأعمال "منتدى الشورى" والذي يتكون من مجلسين: مجلس الأمة، ومجلس الشرفاء. وتقرر مواد هذا القسم حصانة النواب البرلمانية وحقهم في النقد والتوجيه وتوضح اختصاصات المجلسين. كما يحدد القسم الخاص بمجلس الأمة الشروط التي ينبغي توافرها في المنتخب: ومدة انتخابه (وهي أربع سنوات) ونسبة أعضاء المجلس إلى السكان، ويمثل كل نائب بمقتضاها عشرين ألف رجل وهي أكثر تمثيلية مما يدعو إليه المطالبون بإصلاح الدستور اليوم. كما عدد القسم الخاص بمجلس الأعيان طريقة التعيين والانتخاب ومدة العضوية والصلاحيات. 5 - ويخصص الدستور قسما خاصا بالحكومة، فيجعل تعيين الوزير الأول من اختصاص السلطان، ويمنع ولاية العهد وكانت في الأسرة الحاكمة، ويجعل اختيار الوزراء للوزير الأول على أن تكون المصادقة لمنتدى الشورى. كما يحدد هذا القسم مسؤوليات الوزراء والحكومة واختصاصاتهم... ويتحدث الدستور في باقي فصوله عن مالية الدولة، وحق الرقابة ومحاسبة الموظفين، واستلام شكاوي المواطنين، ومنع الحمايات الشخصية للأفراد من طرف دول أجنبية إلا في حالات نادرة ، كما يخصص بابا للتعليم ويجعله إجباريا ابتداء من سن السادسة على الذكور والإناث ويختم بالحديث عن تغيير الدستور ولا يعطي لأحد هذا الحق إلا لمنتدى الشورى وبالأغلبية ([19]).
وقد كان هذا المشروع كما أسلفنا من بركات البيعة الحفيظية، ومن حسناته إخراج الحكم من يد الملك وتسليمه لمجلس تمثيلي، وإعلانه إجبارية التعليم، وحقوق المواطن المغربي... ولهذا قدر كثيرون مبادرة الكتاني في تقييد البيعة ـ وهو تقييد شرعي ـ أحسن تقدير، فقال عنها محمد بن الحسن الوزاني في مقال افتتاحي نشر في جريدة الدفاع بتاريخ 31 غشت 1937 عنوانه "المغرب بين الماضي والحاضر"ما يلي: "ولما بايعت الأمة السلطان عبد الحفيظ كانت هذه البيعة قائمة على شروط تتلخص في تحرير الأمة ـ وعدد الشروط التي أسلفنا ذكرها ـ وقد قيدت تلك البيعة السلطان في سياسته الخارجية... وكانت بيعة أمة شاعرة بحقوقها، عارفة بواجباتها راغبة في صيانة سيادتها وأحوالها" ([20]). وقال عن شروطها في مقال آخر نشرته جريدة الرأي العام: << إنها تستحق أن تكتب بماء الذهب، وتستحق أن توضع في صف الوثائق العالمية، ويحق للمغرب أن يفاخر بها عظماء أوربا"([21]). أما الأستاذ علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال فقد قال في محاضرة ألقاها بمكتب المغرب العربي بالقاهرة، بمناسبة مرور ستة وثلاثين سنة على فرض الحماية تحت عنوان "الحماية في مراكش من الوجهة التاريخية والقانونية" ما نصه:"قد وضعت هذه البيعة دستورا جديدا لسياسة البلاد. ففيما يخص الماضي: الإلغاء المطلق لكل ما وقع من التزامات أو تعهدات تتنافى وسيادة الدولة ومصالح البلاد. وفيما يخص المستقبل وضع أساس الدبلوماسية العلنية... وعليه فلم يعد بمقتضى هذه البيعة من حق الملك أن يوقع معاهدة ما دون أن يرجع للشعب... وهكذا نرى أن هذه الثورة الوطنية كانت ترمي لتحقيق غاية عليا هي إشراف الشعب بنفسه على مصالحه السياسية القومية والمالية"([22]). ويبقى أن نذكر بأن نصوص هذه البيعة تعتبر محاولة للإصلاح الدستوري متقدمة بزمن كبير على ما قدمه زعماء الحركة الوطنية فيما بعد من أجل الإصلاح. منطلقها الشريعة، وروحها العدل والشورى والإحسان، يقودها علماء الأمة الذين تصلح بصلاحهم وتـفسد بفسادهم. وقد أدى ثمن هذه القومة آل بيت الكتاني وأتباع طريقتهم، وصدق الله العظيم إذ يقول في سورة العنكبوت { ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ([23]). وقد أعجبت أيما إعجاب بالخطبة التي قدم بها بطل المغرب محمد بن عبد الكريم الخطابي لكتاب "ترجمة الشيخ الشهيد محمد الكتاني" وأبيت إلا إثبات بعض ما ورد فيها. فبعد إنصافه الكتاني وإعلان الحق إلى جانبه قال: " ونحن اليوم في سنة 1962 وبيننا وبين ذلك العهد خمسون سنة فهل تغير الوضع الآن؟ [ أقول: إننا اليوم في سنة 1994 وما زالت دار لقمان على حالها] إن الأمة المغربية ما فتئت بعيدة كل البعد عن المشاركة في إدارة شؤون البلاد، رغما عن المشاكل الكبيرة التي تجتازها بلادنا، ولم يفكر أحد من المسؤولين في إنشاء مجلس شرعي يمثل الأمة تمثيلا صحيحا نزيها، ليحل المشاكل المتراكمة الخارجية والداخلية للبلاد... ولا يزال القانون هو المتحكم ـ يقصد القانون الأرضي دون السماوي ـ كما لا يزال العلماء في سباتهم العميق، ولا يفكرون في واجباتهم على الإطلاق كأنهم غير مسؤولين عن شيء مما تتخبط فيه البلاد من الفوضى والفساد".ا-ه
منقـــول | |
|
ابن الطيب Admin
عدد الرسائل : 704 العمر : 48 السٌّمعَة : 12 نقاط : 829 تاريخ التسجيل : 17/08/2008
| |